الأحد الخامس من زمن الصليب: مثل العذارى العشرالخوري شوقي كرم


يذهلنا موقف العروس الإلهي من العذارى الجاهلات اللواتي كنا مؤمنات بمجيئه وينتظرن هذا المجيء، وأتينا بحق للقائه حاملين مصابيحهن، مصابيح الإيمان. أما كان يمكنه أن يسامحهن وهو الرب الحنون والرحوم الذي جاء ليخلّص لا ليدين؟ أما كانت تكفي “نواياهنّ الطيبة” ليستحققن دخول الملكوت؟ ألهذه الدرجة في يوم الدينونة، الربّ فاحص الكلى والقلوب سيكون دقيقاً وضيّقاً وحاسماً في حكمه الأخير “الحق الحق أقول لكنّ: إني لا أعرفكنّ”؟
يسوع يجيبنا، كما أجاب اليهود: لو لم يكنّ يعرفن كلمته لما كان عليهن خطيئة، أمّا وهنا يعرفن كلمته ولم يعملن بها، فهذه الكلمة هي التي تدينهم. وهنا الزيت الذي نقص لدى العذارى المؤمنات الجاهلات، والذي ينقص عند كثيرين بيننا نحن المؤمنين، يرمز إلى تلك الأعمال التي يقودنا إليها فهمنا لكلمة الله، لأن كلمة الله كلمة حياة، كلمة تحيي، كلمة تُعطي ثمرًا؛ والثمر هو أعمال رحمة يتجلّى ويتحقق فيها قبولنا وفهمنا وعيشنا لهذه الكلمة؛ يتجلّى فيها إيماننا لأن الإيمان بدون أعمال ميت كما يقول مار يعقوب الرسول.
ولهذا، الزيت المطلوب بوفرة ليبقى مصباح الإيمان مشتعلاً لا يمكن أن يكون أعمال مصنوعة بنوايا طيبة، لأن النوايا الطيبة لا تكفي لتجعل من عمل ما عملاً صالحاً بحسب مشيئة الله. ولا يمكن لهذا الزيت أن يكون أعمال عاديّة، ولا أعمال يمكن أن تشترى بالمال ومن آخرين، لأن كل الناس يمكنهم أن يعملوا مثل هذه الأعمال. وكم من مثل هذه الأعمال قمنا بها وهي في ظاهرها جيّدة وطيبة، ولكن إذا عدنا إلى ذاتنا وتفحصناها نجد بأنها لم تغيّر في شيء في حياتنا. فماذا يمكن أن تكون هذه الأعمال التي تبقي مصباح إيماننا مشتعل حتى نستحق أن نسمع يوم مجيء العروس الإلهي: “إدخلن إلى فرح سيّدكنّ”!!
هي الأعمال التي تنبع من قلب محبّ متواضع ومتخشّع. لأن الحب هو دعوة الإنسان الحقيقية، لأن مخلوقين على صورة الله المحبة كمثاله. ولأن الحب الحقيقي هو حبّ فدائي مجاني وموحد، يعطي الإنسان فيه كل ذاته، وليس شيء من ذاته (قبلة، جسد، حسنة، بعض الوقت…). ويعطي ذاته للمحبوب لأن هذا الأخير أحبّه أولاً، أيّ دخل إلى قلبه وصار حاضراً فيه وحرضّه على الحبّ، وهذا هو القلب المتواضع، أي القلب الذي يقرّ بحاجته للآخر ليجد معنىً لحياته ويخلص. فلهذا، فالحبيب المحبوب حين يفكر ويأخذ أي موقف ويختار أي عمل تجاه الآخر حبيبه، يكون همّه الخير الحقيقي والشامل لهذا المحبوب الذي يعطي معناً لحياته، لا خيره الخاص. وهنا أنوّه أن ليس الحبيب فقط من يعطي هذا المعنى لحياتنا بل كل إنسان يضعه الله في طريقنا ويعطينا الفرصة لنحبّ. وهذا هو القلب المتخشع الذي يعرف أن يميّز حضور الله في حياته في حضور الآخرين في حياته، فينذهل ويندهش ويتخشع أمام هذا الحضور الناعم والمغيّر للوجود في آن. والآن يمكننا أن نسأل أنا وإياكم ألدينا ما يكفي من هذا الزيت لنقل أننا وصلنا إلى الميناء؟!

مثل العذارى العشر
لما بنفهم وبنوعى بحق هويتنا المسيحية، منكتشف حقيقة عظيمة ومننذهل بقدر ما هي رائعة وجميلة، منكتشف إنو نحنا محبوبين من الله الآب، نبع الوجود والحياة، ومختارين بقوة روحو القدوس ومدعوين للقاء ابنو العروس السماوي والاتحاد فيه ليشركنا بعرس السما، عرس الحب والفرح والسلام اللي ما بينتهوا. وأكتر من هيك، مع وعينا لعظمة هالدعوة، منكتشف كرم وسخاء ثالوث المحبة بما أنعم علينا: بها السراج؛ سراج الإيمان والرجا والمحبة، القادر يضوّيلنا الدرب بظلمة هالعالم لنقدر نلبي الدعوة بكل لحظة بحياتنا وندوق اليوم ونتنعم بآخر الدرب بحلاوة عرس السما.
ومع إنو كلنا المسيحيي مننطلق بها الوجود عنا نفس الدعوة للمشاركة بعرس السما، ومعنا نفس السراج متل العشر عذارى، وواعين إنو علينا نسهر لأنو ما منعرف اللحظة اللي منسمع فيها الصيحة الأخيرة: “هالعروس آت فاخرجن إلى لقائه”، فدايماً بيتلاقى بيناتن خمس عذارى جاهلات ما بيكفي زيتاتن ليتحقق لئلن اللقاء بالعروس السماوي. ولو سألنا ليش، منفهم من خبرة الحياة، إنو بعض من بينات هالعذارى الجاهلات فكروا إنو معن وقت ليشتغلوا لخلاصن بخوف ورعدة، فاكتفوا بالقليل من أعمال المحبّة. ويا ريت منعرف إنو الوقت اللي منملكو هو اللحظة الحاضرة، وبها اللحظة لازم نحبّ ونحبّ ونروح بالعمق بحبّنا. وبعضن الآخر سمع لصوت السعادة المزيفة اللي بتنادي فيه مغريات هالعالم، فاختنق فين صوت الدعوة للعرس السماوي؛ ويا ريت منكون صادقين مع ذاتنا وبعد كل اختبار نقدن فيه لروح العالم منفهم إنو سعادة هالدني زايلة. وغيرن تملّكن الكسل الروحي، وانطفى فين الإيمان قدّام أول تحدّي كبير بحياتنا؛ ويا ريت منفهم إنو الإيمان بينبنى، ليبني إنسان قادر ينتصر على كل تحدي.
نأخذ على العذارى الجاهلات أنهّن لم يكنّ مستعدات لاستقبال العروس، مع أنهن كنّ عارفات بمجيئة، وعالامات بضرورة أن يكون سراج إيمانهن مملؤ بزيت الأعمال الصالحة؛ ولا عمل صالح إلا العمل الذي هو تميم لإرادة الله.
ولكن إذا تأملنا اليوم في مسيرة حياتنا؛ والتي كنّا مدعووين فيها أن نصعد في مركب الكنيسة ونبحر في بحر العالم وشراعنا مفتوح على إلهامات الروح القدس، ونذهب لملاقاة العروس الإلهي، الذي ينتظرنا في ميناء الأمان ليشركنا في فرح القيامة، هل نجد اليوم في جعبتنا ما يكفي من الحب وأعمال الرحمة، ليكون لدينا بطاقة الدخول إلى الميناء؟!
أنعتبر أنفسنا حكماء كثيراً ونحن لم نستثمر كل هذا الوقت والفرص الكثيرة التي أعطيتنا لنا لنزيد من كنزنا الروحي، كنز الإيمان والرجاء والمحبة، بل فضلّنا الاحتفاظ بنمط حياة عادية ملتصق بروح العالم، روح المادة والأهواء والمظاهر، أكثر منه بروح الله!
أنعتبر أنفسنا حكماء كثيراً ونحن لم نقدّر قيمة اللحظة الحاضرة بالنسبة لمصيرنا النهائي ولم نضع بكل ثقلنا لنحقق فيها ما تتطلبه منا دعوتنا كأبناء الله، كأبناء النور، بل فضلّنا سياسة التأجيل ” خلّينا نشبع من هالدني..لاحقين عالأمور الروحية”، وسياسة بيكفي هالقد ربنا ما بدو أكتر مني.
إذا قلنا أنه بقي من حياتنا أسبوع، ألا تعتقدوا بأنه لدينا كثير من الوقت لنسعى أن نكون حكماء، فنستفيد من كل دقيقة وكل فرصة لنسمح بالتوبة لنور المسيح أن يدخل ويبدد ظلماتنا، وبأعمال الرحمة أن نحوّل قلبنا للحب. إن يوم في عينيّ الرب خيرٌ من ألف سنة. هي فرصة العمر لا تؤجلوها، فإن فرص الحياة التي تأتي إلا لمرّة واحدة!؟

Comments are closed.