الكاردينال ساكو يكتب: الكنيسة الى اين؟ يجب أن نحدد خيارنا، مع من نقف؟
على ضوء مشاركتي لأسبوعين في الجلسات العامة للسينودالية بروما أكتب هذه الخاطرة. وأوَد التنويه عن أنني أتكلم عن الكنيسة بشكل عام وليس عن حالات معينة. أتكلم عن الكنيسة السينودالية كتحوّل نموذجي لتكون رسالتها نبوية مؤثرة في مجتمع اختلف كثيرًا.
أسّس المسيح الكنيسة لخدمة جميع الناس. قال للرسل بوضوح: “اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا” (مرقس 16/ 15). هذه الرسالة حركة نحو الله ونحو الناس.
يجب أن يدرك الشرقيون الكاثوليك انهم في الكنيسة الجامعة وليسوا كنائس مستقلة. إنهم في الشركة في جسد المسيح والوحدة والمسيرة. عليهم الالتزام بقوانينها وتعليماتها. اذكر وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني الاصلاحية قبل خمسين عاماً، والسينودس من أجل الشرق، وسينودس العائلة والشباب وحالياً السينودالية. من المؤسف ان كنائسنا الشرقية قلّما ترجمت هذه التعليمات الغنية الى الواقع. أتمنى من الكرسي الرسولي ان يطالب الكنائس الشرقية بقوة، تطبيق قرارات المجامع والسينودسات العامة لكي تتقدم وتواكب العصر! للكنيسة صوت نبوي لا ينبغي ان يَبُحّ !
حيوية الكنيسة هي في رسالتها وطريقة قيامها بنقلها عملياً “الشركة والمشاركة” أي السينودالية: “السير معًا، والعمل معًا” كما يؤكد السينودس في سبيل السينودالية (روما 2-27 تشرين الأول 2024)، وكما يتعيّن على الكنائس الشرقية أن تعتمد الطريقة نفسها في سينودسها. السينودالية الصحيحة هي في طبيعة الكنيسة ورسالتها. السينودالية – المجمعية والسلطة يعملان معاً للتمييز واتخاذ القرار المناسب. انها قاعدة نجاحها في حمل رسالتها وحمل الرجاء للناس خصوصًا في الآمهم وفي ظروف الحرب التي تعيشها منطقتنا حاليًا. هذا الاهتمام نابع من الإنجيل. نأمل ان يترجم حجّ السنة المقدسة 2025 الذي أعلنه قداسة البابا فرنسيس الى التوبة والأمل في تحقيق السلام للعالم، وليس تحويلها الى ظاهرة سياحية!
كيف نجسّد هذا الروح؟
يتعيَّن على المؤمنين بالمسيح رجالاً ونساءً ان يعيشوا تعليمه (انجيله – البُشرى) في واقع حياتهم، ويشهدوا له بسلوكهم اليومي: من خلال الإصغاء بدهشة الى نداءات الله الآب المُحِب؛ وتجسيد دعوات المسيح المتكررة الى تعزيز الاخوّة الشاملة والمحبة غير المشروطة؛ والتضامن والعمل لبناء بيئة مناسبة ليعيش فيها الانسان كابن وبنت لله وأخ للجميع حقّاً، بحرية وكرامة وسلام واستقرار من دون انتقاص.
على كل مؤمن اكليريكياً كان أو مكرَّساً أو مؤمناً، أن يعي معاني رسالة المسيح برؤية واضحة، وان يتصرف بمسوؤلية، بفكره وقلبه. على الاسقف ان يتمسك بعلاقاته الطيبة مع رئاسته ومع الأساقفة اخوته وكهنته والمؤمنين الموكولين الى خدمته. إنه ليس اُسقفا لإدارة الأموال. كما عليه أن يتجنب العقلية الاكليروسانية.
ذكر احد المشاركين في مجموعتنا الصغيرة في السينودس ان اُسقفه منع الحديث عن السينودالية! أين الولاء الذي اعلنه في بداية رسامته للرئاسة الكنسية. أليس هذا انفصالا؟
لذا نشدّد على أهمية التنشئة المسيحية الصحيحة في المعاهد الكهنوتية واديرة الراهبات والرهبان، وفي العائلة أثناء فترة إعداد المخطوبين، وأيضاً في المعاهد التثقيفية ودورات تنشئة معلمي التعليم المسيحي. التجديد الروحي واللاهوتي والراعوي والثقافي والاجتماعي ينبغي ان يتكيَّف مع ثقافة الناس الحالية بلغة واضحة وأسلوب تنشئة مؤوَّن.
الواقع الملموس
الدرجات الكهنوتية في الكنيسة (الاُسقف والكاهن والشماس الإنجيلي) هي للخدمة بتواضع وشفافية وليست امتيازات للسيادة. لا يقدرون ان يكونوا خداماً متواضعين الا من خلال الحب والصلاة (صلاة القلب وليس الشفاه) هذا هو الرباط الذي يجمع الكنيسة!
لقد استمعنا خلال جلسات الجمعية العامة للسينودس حول “السينودالية” الحالي بروما الى خبرات جميلة وأخرى مؤلمة في الكنائس.
منذ زمن المسيح والى اليوم، يوجد رجال ونساء يتبعون المسيح بحب وصدق وأمانة، ويشاركون إيمانهم مع الآخرين. يلعبون دورهم المقدس في خدمة اخوتهم ببساطة وسخاء وفرح، ويعملون في سبيل رفض كل اشكال العنف وبناء مجتمع أخوي متماسك للعيش المتناغم. والناس يثقون بهم وبكفاءتهم.
وللأسف يوجد على الجانب الآخر أشخاص يتمتعون بنفوذ كبير، يعملون في سبيل مصالحهم الخاصة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، يغيّبون الله والمسيح والكنيسة والقيم والثوابت والخير العام.
لربما تعرفنا على بعضهم من الجانبين.
الكنيسة مسؤولية الجميع، لذا يجب أن يحدد كل مسيحي خيارَهُ. مع من يقف؟ الحيادية مرفوضة: “هكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِداً وَلاَ حَارّاً، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي” (رؤيا /16).
مثال مريم أم الكنيسة
يمكننا أن نبلور أكثر مثال مريم العذراء التي جسَّدت العديد من القيم الإنسانية والمسيحية والتي بإمكان المؤمنين أن يستلهموا من مثالها الوضوح والقوة في الالتزام الثابت بالمسيح وخدمة الكنيسة والمجتمع، لكن السؤال الجوهري يبقى: كيف يمكن ترجمة هذه القيم في الواقع الملموس؟
دعونا نستمر في حب بعضنا البعض بالحق. “هذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ” (يوحنا 15/ 12). لننظر إلى بعضنا البعض كاخوة واخوات متساوين في الهوية والكرامة ونحترم الادوار، وندرك ما يوحدنا، ونتجنب ما يمكن أن يفصلنا خصوصاً طموحاتنا ومصالحنا الشخصية.
Comments are closed.