عُرْسْ قانا الجليل بالكِتَابْ المُقَدًسْ بقلم فراس الور
لفت انتباهي امر و انا اقرأ هذا الحدث بإنجيل يوحنا عليه سلام الرب الطاهر، فأحببت ان اشاركه مع متابعي مقالاتي و إخوتي بالإيمان، لن ادخل في صميم عمق اللاهوت لأن من يتأمل بساطة و سلاسة ذِكْر هذا الحدث و طبيعته لن يعتاز ان يكون حامل لشهادات عليا باللاهوت و الفلسفة ليفهمه، بل الذي يقرأ فقط سيفهم ما كتب بأسطر هذا الحدث و ما بين الأسطر ايضا، انا كاتب و ناقد فني اعمل بمهنة الكتابة منذ عام 2004، و صدقا اعمل بهذه المهنة لأنني احبها و اقدسها فهي موهبة من الله اكرمني بها لأتواصل بأفكاري و ما يجول بخاطري مع جمهوري و قرائي الأعزاء، و قبل ان اكتب اي مقال تَعَوًدْتُ ان افكر بالنقاط التي اريد ان اكتب عنها و لو لبعض الوقت، حيث حينما اكتب مقال يكون هنالك موضوع واضح سَيَتَمَحْوَرْ حوله، و من ثم اقوم بكتابة موضوعي ملامسا النقاط التي اريد ان اناقشها ثم اختم مقالي بالخاتمة التي ارى انها تخدم النص و هدف المقال، و لا اضع اية امور عبثا بل اضع و اناقش الأمور التي تتصل مع موضوع مقالي، و اركز على ما اريد التركيز عليه حيث هدفي من المقال هو ايصال وجهة نظري او خبرتي بأمر ما الى الناس، فإذا و انا إنسان فقط اراعي كل تلك الأمور فكيف الحال بالروح القدس له المجد و السجود حينما يخاطبنا بأمر ما من خلال اقلام تلاميذ الرب الأطهار الذين اصطفاهم ليبشروا بالإنجيل؟
و هنا أسأل من باب جدلي فقط، من هو كاتب الكتاب المقدس بأناجيله الأربعة و الرسائل؟ ألعلهم الرسل فقط؟ ألعلهم اعتمدوا على قدرتهم الذاتية بالشهادة عن حياة الرب يسوع له المجد؟ ألعلهم من ألفوه لأسباب و مطامع شخصية؟ لم ارى من نُصٍبَ منهم والي او رئيس دولة، او من استفادة منهم و زاد عِزه و مجده اجتماعيا على الأرض و بين الناس، بل قاسوا و ذاقوا الأمرًينْ و تعذبوا و هم يبشرون بملكوت الرب و بخلاص الرب يسوع و بالإنجيل، فلم يُنَصًبْ منهم اميرا او والي او وزير او حتى نبيل على قوم، بل عاشوا خداما اهدافهم هداية الناس الى خلاص الرب يسوع، فكم سافروا و تحملوا الآلآم مثل سيدهم و سيدنا الرب يسوع و كم اسسوا كنائس حول المسكونة و كم تحملوا من مشقات لإيصال رسالة يسوع الخلاصية كشهود عيان الى العالم، العبد لم يكتب الإنجيل بمفرده بل الروح القدس ألْهَمَ خدام الرب يسوع ليكتبوه و ألهمهم الى ما يجب ان يتضمن بأسطره المثيرة و الكثيرة، فالذي يأتي بوحي الروح القدس هو الحق و الحقيقة و ها هو الإنجيل يعيش الى يومنا هذا فعُمْرُهْ اكثر من ألفي عام على الأقل،
و مما لا شك به ان كمية الإعجاز الموجودة بالأناجيل الأربعة ضخمة جدا فنظرة سريعة الى تواريخ كتابتها سنرى ان كُتًابَها لم يُنَسِقوا مع بعض وقت كتابتها، مَتًى الرسول كتب انجيله الى اليهود ليثبت تَحَقُقْ نبؤات العهد القديم بشخص المسيح و آلآمه له المجد بين اعوام 60 – 65 ميلادية، و مُرْقُسْ الذي لم يعاين المسيح بل كان تلميذ لبولس الرسول كتب انجيله الى مؤمني روما بين اعوام 55 – الى 65 ميلادية، و للذي لا يعرف كان بولس رسول لم يحتك بالرب يسوع إطلاقا، و كان من اكبر مضطهدي المسيحية وقت خاطَبَهُ الرب يسوع بحسب سفر اعمال الرسل و قال له الجملة الشهيرة “شاول لماذا تضطهدني،” و بات اعمى لفترة من الوقت لا يبصر شيئا بعد هذا الظهور ليُحَوِلَهُ الرب يسوع الى اقوى مبشرا بإسمه له المجد بتاريخ التبشير المسيحي، فلذلك كانت شهادته مؤثرة على من دعاهم للإيمان لأنه عاين مجدا للرب و كان اساسا فقيه من فقهاء قومه اليهودي بالعلوم التوراتية و اسفار العهد القديم، و قد اثر هذا الأمر بمرقس حيث كتب انجيله عن الرب بإلهام الروح، و لوقا الذي كان طبيب من الأمم كتب انجيله تقريبا في عام 60 ميلاديه ليخاطب ثاوفيلوس و الى جماعة المؤمنين و الأمم في كل مكان بخلاص يسوع المسيح له المجد، وكمرقس لوقا لم يرى الرب يسوع بل كان من جماعة حولهم تلامذة الرب الى مؤمنين بعد ارتفاع الرب يسوع الى السماء، و يوحنا الرسول ابن زبدي اخو يعقوب و المدعو ابن الرعد الذي كتب انجيله الى المسيحيين الجدد و الباحثين من غير المسيحيين، و كتبه بعد خراب اورشاليم على ايدي الرومان في عام 70 و ابادة آلآف منهم قبل ان يتم نفيه الى جزيرة بطمس، و الذي يقرأ الاربعة اناجيل سيجد ان كل منها دُوِنَ بقلم مميز و بأسلوب ادبي مختلف عن الآخر يعكس ابداع الشخص الذي كتبها، و لكن الجدير بالذكر انه بالرغم من اختلاف تواريخ كتابتها و اماكن و ظروف كتابتها و بالرغم من ان هنالك كاتبَيْن لم يكونوا من تلامذة يسوع الذين رافقوه إلا ان جميع الاربعة اناجيل تتفق تماما على ان المسيح له المجد هو ابن الله الحي و هو المخلص المنتظر الذي تكلمت عنه كل نبؤات العهد القديم، و أنه اجرى معجزات انتشرت اخبارها كالبروق في العاصفة بين ضواحي كل مدن اسرائيل حين كرازته، و كلها اتفقت بالروايات و الأحداث التي روتها من دون اي تناقض او خطأ او لبسْ بمضمونها، فحتى ما لم يذكره انجيل ذكره آخر لتتكامل الروايات و تُكَمِلْ بعضها لتعطينا صورة جميلة شاملة و رائعة عن شخص السيد المسيح الذي افتدانا بدمه الثمين و المقدس على الصليب، ثلاث و ثلاثين سنة عاشها السيد المسيح له المجد بيننا و لثلاثة سنين كرز بملكوته و صنع معجزات كثيرة زلزلت اسرائيل التي كانت تحت الحكم الروماني لدرجة ان لفيف كهنة اليهود شعروا بعنفوانه و هو يكرز بملكوته فاستشعروا خطرا منه، فالذي نظم كتابتها كلُ بتاريخ و مكان يختلف عن الآخر و بإبداع كبير و الذي نسق رواياتها بهذا الشكل ليس إنسان، بل الروح القدس و إلهٌ عظيم، فَنَظًمَ عمل و ابداع بشر ليتناغم مع بعض لمجد الله له لمجد، و لا ننسا سِفْر اعمال الرسل الذي كان من كتابة لوقا ثم رسائل القديسين الذين وضعوا الاساسات الرعوية للكنائس التي كانت تكبرشأناً شيئا فشيئا بمناطق واسعة من العالم،
الجدير بالذكر و نحن نذكر بعض جوانب اعجازية للكتاب المقدس بهذه الدردشة ان السيد المسيح اجرى معجزات كثيرة تميزه عن سائر الأنبياء السابقين، و من الأمور التي لفتت إنتباهي اعمال الخلق التي مارسها و على سبيل المثال لا الحصر حينما خلق اعين جديدة للعميان، فبحسب انجيل يوحنا أصحاح 9 شفى اعمى منذ ولادته، و استوقفني لماذا ذكر يوحنا ما فعل السيد المسيح و هو يشفي الأعمى و لم يكتفي بالإشارة الى الحادثة فقط، و المميز بالطريقة التي شفا بها الأعمى أنه تفل بالتراب و مسح اعين الأعمى و امره ان يغتسل ببركة سلوام المقدسة، و لم يقصد يوحنا بذكر هذه التفاصيل فوائد اللعاب كما يدعي البعض ان اليهود كانوا يداون بعض الأمراض بها او خصائصها، فيوحنا دخل بعمق الأبعاد اللاهوتية لشخص السيد المسيح و كلامه اثناء وعظه و حواراته مع كهنة اليهود و اثناء وعظه بين الناس، فأبصر الأعمى بحادثة ضج بها جميع الناس الذين شاهدوا صنيع يديه، بالنسبة إليْ ككاتب و مؤمن اعطى المسيح الحياة من داخله للأعمى حينما تفل بالتراب فجبل من التراب عينين او ربما ما كان معطل بشبكيته البصرية، فالإنسان اساسا مجبول من تراب الأرض، و يكمل المسيح له المجد كرازته بملكوته مع معجزات تعلن للناس ألوهيته فقيامة أليعازر من الأموات هي قمة صنيع يديه كإله و خالق له المجد، فحينما أمر آليعازر ان يقوم من بين الأموات كان له اربعة ايام متوفي فيقول العلم ان اعضاء المتوفي الداخلية تتحلل بهذه الفترة، و رغم ذلك خلقه من جديد له المجد و اعطاه عمرا جديدا ليعشيه، السيد المسيح بحسب رواية الإنجيل لم يصلي الى الله كنبي و كما نرى بصنيع الأنبياء و المختارين باسفار العهد القديم، بل صرخ أمراً “أليعازر قُمْ” كما يفعل الله حينما يأمر المادة و المخلوق تحت يديه فتطيعه و يقول للأمر كن فيكون، فهو ابن الله المتجسد الحي له المجد و صورة الله الكاملة على الأرض، و لعل هذا يذكرني بما كُتِبَ بسفر التكوين و رواية الخلق اذ كتب الكاتب المُلْهَمْ من الروح القدس عن الخلق بالإصحاح الثاني الآية السابعة “ثم جبل الرب الإله آدم من تراب الأرض و نفخ في انفه نسمة حياة، فصار آدم نفسا حية” و عن خلق حواء قال الروح القدس “فأوقع الرب الإله أدم في نوم عميق ثم تناول ضلعاً من اضلاعه و سد مكانها باللحم، و عمل من هذا الضلع إمرأة احضرها الى آدم،” فالإنسان الذي جُبِلَ من تراب الأرض في بدء الخليقة بيدي الرب الأله جَبَلَ له السيد المسيح أعين حينما تفل على طين الارض ليشفيه و ليُبْصِرَ، و حينما اعاد خلق إليعازر كإنسان بالكامل بعد ان مات، ولد السيد المسيح و تجسد بآلاف السنين بعد عملية خلق العالم بسفر التكوين و فعل نفس الفعل الذي فعله الله و هو يخلق الكون و الأرض…خلق من الطين اعين للأعمى و خلق إليعازر مرة آخرى كما جبل الإنسان من تراب الأرض في البدء….ألعل هذه صدفة؟ انه الله يمارس عمله الخَلْقي و الإبداعي، و لا ننسى ذكر هنا البُرْص الذي شفاهم و المُكَرْسَحين حيث شفى ارجلهم من عللها، و لا ننسى ذكر معجزة تكثير الطعام إذ كَثًرَ من القليل ما اطعم آلآف كانوا يرافقوه قدرهم الإنجيل تقديرا بخسمة آلأف و لم يَحْصِهِمْ بالتحديد من كثرتهم، فخلق للناس طعاما من عدم، فهل يجوع الإنسان و هو برفقة الله؟ الإنسان جاع في عصورنا المختلفة حينما تسلط إنسان آخر عليه و لم يَجوعْ و هو برفقة السيد المسيح ابن الله الحي، و لا ننسى معجزات اخراج الشياطين التي كانت ترتجف خوفا من مجد إطلالته فينتهرها فتترك من مَسًتْهُمْ و كانت تعذبهم، فحتى الشياطين شهدت لألوهيته و كانت تطيعه، و هو كلمة الله المتجسد الذي كتب عنه يوحنا بأفتتاح كتابه “به تَكَوًنَ كل شيئ1 (خُلِقَ كل شيء) و بغيره لم يَتَكَوًنْ اي شيئ مما تَكَوًنْ، “
و اخترت ان انوه عن هذه النقاط لأنها جوهرية بما يختص بُعُرْسْ قانا الجليل، فالكتاب المقدس الذي أَلْهَمَ الروح القدس التلاميذ كِتَابَتُه و ألهمهم تنظيم اصحاحته و ألهمهم الى ما يضعون به لم يذكر أمر عبثي عن رب المجد، بل روى و شرح و برهن الكثير عن شخصه و عن اوامره و عن ماذا نحتاج كمؤمنين لنخلد معه بآخرة صالحة بعد وفاتنا، و ما هي الطرق التي ترتضيه و التي يجب ان نسلكها لننال على رضاه و لنكون مُخَلًصِيْن بدمائه المقدسة، فالرب اعطانا زوادتنا و نَوًرَنَا و ثقفنا و علمنا الى سبله و قال لنا بأن من خلال اتٍبَاعَنَا لأوامره و من خلال ايماننا بخلاصه و ايماننا بآلآمه و بصليبه و قيامته من بين الأموات نستطيع ان نخلص، فسنحيا معه بجنانه الرحبة،
الروح القدس و هو ملهم الكُتًابْ لا يضع شيئا عبثيا بالأناجيل حينما يخاطب به المسكونة بأقايصها، بل و بما ان الإنجيل اللبُنَة الاساسية لقيام الكنيسة و للإيمان المسيحي و كلامه قانون و دستور لعقيدنتا و لكنيستنا فلا يستثنى منه شيئا إطلاقا، بل يؤخذ بعين الإعتبار قلبا و قالبا، و لعلني هنا اقف عند مقصد الإنجيلي يوحنا من سرد معجزة قانا الجليل بإفتتاحية إنجيله، و هو من سعى لإثبات ألوهية السيد المسيح كثيرا من خلال كلام السيد العميق و اعماله و معجزاته، و معجزة قانا الجليل لم تذكر الا بإنجيل يوحنا، فلم يذكرها باقي الإنجليين، فالروح القدس هنا ذكرها لأمر مهم، و تقع اهميتها بأنها اول معجزاته، فللرب ترتيب و اجندة عمل يسير بحسبها، فلماذا يقول ربنا يسوع السميح للعذراء الطاهرة حينما اخبرته عن نفاذ النبيذ من عند اصحاب العُرْسْ “ما شأنكِ بي يا إمرأة ساعتي لم تأتي بعد،” الموضوع بالحقيقة ابسط و بنفس الوقت اعمق من التفاسير السطحية لهذه الجملة التي يفهمها البعض، فقصد القول لها ان ساعة صنع معجزاتي لم يأتي موعدها، و هنا نرى عفوية و شفافية العذراء بالتعامل مع ابنها، فالعذراء الطاهرة تعلم منذ اولى ايام بشارتها من الملاك بحبلها بالمخلص، و تعلم انه ليس كباقي الخلق إذ حَبِلَتْ به بأمر من الروح القدس اي الله، هو الذي تَكَوًنَ في احشائها من دون رجل و بمعجزة من الله، و تعلم انه و بحسب ما ذكر بإنجيل لوقا في الإصحاح الثاني آية 41 انه من تاه منها اثناء سفرها هي و القديس يوسف الى اورشاليم وقت عيد الفصح، فبحثت عنه لثلاثة ايام فوجدته يناقش معلمي الهيكل باسفار التوراة، و حتى اجابها حينها انه “يجب ان يكون في ما يخص ابي” ليعلل سبب اختفائه، العذراء تعلم ان ابنها فُرِزَ ليكون له امر عظيم و مميز عن باقي خلق الله و بأنه لم يكن كباقي الأولاد بل تميز بالمعرفة التي سبقت سنه و بفضائل عديدة، و كانت تعلم انه الإله المتجسد الذي سيخلص شعبه بالآلآم و العذابات ليفتح للبشرية ابواب الفردوس من جديد مع الله، و لكن هنا تصرفت معه ببساطة مَوْنَةْ الأم على ابنها، فبكل شفافية و عفوية اخبرته عن نفاذ الخمر (النبيذ) من عند اصحاب العُرْسْ، دخلت عليه بِمَوْنَةْ الأم على ابنها لا اكثر و لا اقل، فعلمت انه قد يتصرف فإبنها لن يخذلها و لن يرفض لها طلبا، لا ارى امرا لاهوتيا معقدا بطلب العذراء من ابنها ان يتصرف فهذا كان حوار طبيعي بين ام و ابنها،
كم مرة و مرة تتعشم اي ام خير ببنيها و تطلب منهم امورا هي على يقين انهم لن يخذلوها عليها، فإذ و نحن بشرا نعلم ان لا نكسف والدتنا بطلب هنا او هناك فكيف بالحري رب العباد الذي انزل على موسى وصاياه و كانت ثالثها اكرم اباك و امك، ألعل رب الخليقة الذي انزل هذه الوصايا المباركة على عبيده و الذي تجسد و قَبِلَ ان يكون تحت الناموس ليفتدينا من لعنة الناموس سيكسف امه و يقول لها لا؟ ألعل رب الخليقة و رب الصلاح سيترك والدته من دون ان يلبي طلبها؟ ألعل من اتى ليكرز بملكوته و يكون مثالنا الأعلى بالتصرف و اللباقة و العبادة و الإيمان و التقوى و الفضلية سيسير عكس الآدب و سيكسف طلب امه؟ ألعل ذكر هذه الحادثة اتى عبثا؟ و هي العذراء التي حبلت به و هو قطعة من احشائها و انجبته و كبر تحت ناظريها و رعته ألى ان اصبح رجل إلعل لن يكون لها مكانة في قلبه؟ انظروا ماذا فعل السيد المسيح ليعلمنا مكانة والدته عنده و مكانة الأم عند بنيها َفبَكًرَ بمعجزةٍ حَوًلَ بها الماء الى خمر و لم يخذلها…بل اعطاها كرامة بين الناس و الجمع، و ذَكَرَ هذا الأمر ليعطي والدته الكرامة و التكريم بين الأجيال المتعاقبة للإنسانية و هي اول من أمن به مع القديس يوسف، فالروح القدس له المجد يعلم ان الإنجيل ستتناقله اجيال متعاقبة بعد كتابته و سيطوف المسكونة كلها و سيكون اساس الكنائس حول العالم و سيبقى موروث مقدس بكل الأجيال الى ان يأتي الرب يسوع بمجيئة الثاني ليدين الأحياء و الأموات، و بما ان الروح القدس لم يلهم التلاميذ لكتابة شيئ عبثا فَتَقَصًدَ ان يلهم يوحنا بذكر معجزة قانا الجليل، مما لا شك ان الله لا يحتاج ان يُكَرِمَ بشرا…بل هو الله جل جلاله…و لكن المفاهيم اختلفت مع سر تجسده، فرفع الله ناسوتنا كبشر منزلة كي يفتدينا بصلبيه الطاهر و يجعله جزاء لا يتجزء من ميراثه و ملكوته، و اخذ جسدا بشريا من إمرأة سماها أمه لثلاث و ثلاثين سنة و عاش من فيض محبته لنا بيننا….كان عُرْسْ قانا الجليل الذي كتب بوحي الروح القدس ليقول لنا ان هذه السيدة لها منزلة عزيزة و غالية عند السيد المسيح…لا اكثر و لا اقل،
الا ترجع كل ام لضميرها و تقول لي كم كانت تتألم حينما كانت ترى ابنها مريض بالفراش في طفولته، ألا تعود كل أم لضميرها و تروي و تخبر كم كانت تتألم حينما ترى فلذات اكبادها مرضى او متألمون و هي ترعاهم، ألا تقيس كل أم على نفسها كم تألمت العذراء و شُلِعَ قلبها من مكانه لرؤية ابنها يُهانْ و يجلد بوحشية على ايدي وثن و بسياط لا ترحم ثم تضق المسامير القاسية في يديه و قدميه و يعلق على الصليب لساعات طويلة امام ناظريها، تكسرت ضلوعه من صليبه و نزفت الدماء الكثيرة من جراحه حينها، الذي يعدم بحبل المشنقة تنتهي آلآمه و آلأم ذويه بسرعة لأن اعدامه لا يأخذ الا دقيقة فيدركه الموت…و لكن العذراء انتصبت امام صليب فلذة كبدها لساعات طويلة و هي ترى اثار الجلد المبرح على جسده و هي تراه ينزف بمرارة و وسط عجزها عن مساعدته…حتى حينما عطش سقوه خل مر بدل الماء، أوجاع كثيرة تحملتها و لَوًعَتْها و هي تراه ينزف حتى مماته…و كل هذا و لم ينساها ابنها، فسلمها بوسط مرارة آلآمه الى احد تلاميذه حينما قال هذه امك كي يرعى شأنها احد احبائه قبل ان يسلم الروح، لم يرسل احد لطلب هذا من اي تلميذ، بل هو بنفسه من اوصى بلسانه ان يرعاها تلميذ كان يحبه كثيرا…موقف ثاني اثبت الرب بسوع للمؤمنين ان هذه الإنسان لها خاطر كبير عنده…
ألعل الكنيسة حينما كرمتها فعلت ذلك عبثا، بل فعلت الكنيسة ما فعل السيد المسيح فكرمت من لها خاطر عنده، فَنَصًبَتْ العذراء شفيعة للمؤمنين بسبب حدث قانا الجليل و بسبب الآلآم التي جازت بقلبها لرؤية ابنها معلق على الصليب، فالعذراء التي كانت خادمة بالهيكل و مؤمنة بالتوراة و بكلام الأنبياء باتت كحواء جديدة اتت منها نعمة الخلاص و الصلاح و باتت قديسة طاهرة و ملهمة كل إمرأة تريد اتباع السيد المسيح له المجد، اما بما يقال عن انها ليست شفيعة…فكلام الرسل بأن هنالك شفيع واحدا بين الله و الناس و هو الرب يسوع لا يمس شفاعة العذراء إطلاقا، فالقديس بالرسالة هنا يروي شفاعة ذبيحة الله على الصليب كشرط للإيمان المسيحي للخلاص فالمسيح بهذا السياق هو الشفيع الوحيد بين الله و الناس، الله لا يناقض نفسه؟ طبيعة معجزة قانا الجليل لا تدخل بصميم عمله الخلاصي، هذه المعجزة يختلف جوهرها عن طبيعة معجزاته التي صنعها من شفاء و اقامة الموتى و انتهار الشياطين من الناس و آلآمه على الصليب، لم تدخل بجوهر عمله الكرازي اذ لم يصنعها و هو يكرز على الناس، لم تكن معجزة رعوية للذي يمعن النظر بها كجميع معجزاته الآخرى، بل كانت تختص بالعذراء و طلبها منه فقط، و كأنه يقول لنا طلبات و تضرعات والدتي لا ترد لدى عرشي الإلهي، عليك السلام يا امنا العذراء الطاهرة فبشفاعتك الإلهية حنني قلب الله ابو ربنا يسوع المسيح علينا كي يشفي مرضانا و يعطينا جميعا الصحة و ان يعفو عن بيوتنا من تجارب ابليس اللعينة و ان يحرسنا نحن و اسرنا من كل مكروه، آمين،
حواشي :
من انجيل يوحنا، الكتاب التطبيقي للإنجيل المقدس، طبع سنة 1997،
Comments are closed.