رسالة البابا فرنسيس إلى مدينة روما والعالم لمناسبة عيد الميلاد ٢٠٢٤
“إن يسوع، كلمة الله الأزلي الذي صار إنسانًا، هو الباب المفتوح على مصراعيه الذي دُعينا لعبوره لكي نكتشف مجدّدًا معنى حياتنا وقدسية كلِّ حياة، ولكي نستعيد القيم المؤسِّسَة للعائلة البشرية. هو ينتظرنا على العتبة. هو ينتظر كل واحد منا، ولاسيما الأكثر هشاشة”
هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في رسالته إلى مدينة روما والعالم لمناسبة عيد الميلاد.
في يوم عيد الميلاد وجه البابا فرنسيس، كما جرت العادة، رسالته التقليدية إلى مدينة روما والعالم، قال فيها أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، ميلاد مجيد! لقد يتجدد في هذه الليلة السر الذي لم يتوقف أبدًا عن إدهاشنا وإثارة مشاعرنا: لقد ولدت مريم العذراء يسوع ابن الله، وقَمَّطَتهُ وأَضجَعَتهُ في مِذوَدٍ. هكذا وجده رعاة بيت لحم الممتلئين فرحًا بينما كان الملائكة ينشدون: ” الـمَجدُ للهِ في العُلى! والسَّلامُ في الأَرضِ لِلنَّاسِ”.
نعم، تابع البابا فرنسيس يقول هذا الحدث، الذي حدث لأكثر من ألفي سنة خلت، يتجدّد بالروح القدس، روح المحبة والحياة عينه الذي خصّب حشا مريم وكوّن يسوع من جسدها البشري. وهكذا اليوم، وسط آلام زمننا، يتجسد كلمة الخلاص الأزلي مرة أخرى حقًا، ويقول لكل رجل وامرأة، ويقول للعالم بأسره: “أنا أحبك، أنا أغفر لك، عُد إليّ، إنَّ باب قلبي مفتوح لك!”. أيها الإخوة والأخوات، إنَّ باب قلب الله مفتوح على الدوام، لنعُد إليه! لنعُد إلى القلب الذي يحبنا ويغفر لنا! لنسمح له بأن يغفر لنا ولنسمح له بأن يصالحنا! هذا هو معنى باب اليوبيل المقدّس الذي فتحتُه ليلة أمس هنا في بازيليك القديس بطرس: هو يمثّل يسوع، باب الخلاص المفتوح للجميع. يسوع هو الباب الذي فتحه الآب الرحيم في وسط العالم، في وسط التاريخ، لكي نتمكن جميعًا من أن نعود إليه. جميعنا مثل الخراف الضالة ونحتاج لراعٍ ولبابٍ لكي نعود إلى بيت الآب. ويسوع هو الراعي، ويسوع هو الباب.
أضاف الأب الأقدس يقول أيها الإخوة والأخوات، لا تخافوا! إنَّ الباب مفتوح، إنه مفتوح على مصراعيه! تعالوا! لنتصالح مع الله، وعندها سنتصالح مع أنفسنا، وسنكون قادرين على أن نتصالح مع بعضنا البعض، وحتى مع أعدائنا. نعم، إن رحمة الله قادرة على كل شيء، فهي تحل جميع العقد، وتهدم جميع جدران الفصل، وتذيب الأحقاد وروح الانتقام. تعالوا! يسوع هو باب السلام. غالبًا ما نتوقف فقط عند العتبة؛ ولا تكون لدينا الشجاعة لكي نعبرها، لأنها تضعنا في مواجهة مع أنفسنا. إن الدخول من الباب يتطلب تضحية أن نقوم بخطوة، وأن نترك وراءنا الخلافات والانقسامات، لكي نستسلم بين الذراعين المفتوحتين للطفل الذي هو أمير السلام. في عيد الميلاد هذا، بداية السنة اليوبيلية، أدعو كل شخص وكل شعب وأمة لكي يتحلوا بالشجاعة لعبور الباب، ويصبحوا حجاج رجاء، ويُسكتوا السلاح ويتغلبوا على الانقسامات!
تابع الحبر الأعظم يقول لتسكُت الأسلحة في أوكرانيا المعذبة! وليكن هناك الجرأة لفتح باب المفاوضات وبوادر الحوار واللقاء من أجل الوصول إلى سلام عادل ودائم! لتسكُت الأسلحة في الشرق الأوسط! وإذ أُحدِقُ النظر إلى مهد بيت لحم، أتوجّه بفكري إلى الجماعات المسيحية في إسرائيل وفلسطين، ولاسيما في غزة حيث الوضع الإنساني خطير جدًّا. ليتوقّف إطلاق النار وليتمَّ إطلاق سراح الرهائن ولتتمَّ مساعدة السكان الذين أنهكهم الجوع والحرب. أنا قريب أيضًا من الجماعة المسيحيّة في لبنان، ولاسيما في الجنوب، ومن الجماعة المسيحيّة في سوريا، في هذا الوقت الدقيق. لتُفتح أبواب الحوار والسلام في جميع أنحاء المنطقة التي مزقها الصراع. وأريد أن أذكر هنا أيضًا شعب ليبيا وأشجعه على البحث عن حلول تسمح بالمصالحة الوطنية.
أضاف الأب الأقدس يقول ليحمل ميلاد المخلص زمن رجاء لعائلات آلاف الأطفال الذين يموتون بسبب وباء الحصبة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وكذلك لسكان شرق هذا البلد وسكان بوركينا فاسو ومالي والنيجر وموزمبيق. إن الأزمة الإنسانية التي تؤثر عليهم هي ناجمة بشكل أساسي عن النزاعات المسلحة وآفة الإرهاب، وتتفاقم بسبب الآثار المدمرة للتغيُّر المناخي، وتسبب فقدان الأرواح البشريّة ونزوح الملايين من الأشخاص. أفكّر أيضًا بشعوب بلدان القرن الأفريقي الذين أطلب لهم عطايا السلام والوفاق والأخوّة. ليعضُد ابنُ العلي التزام المجتمع الدولي في تعزيز وصول المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين في السودان وفي إطلاق مفاوضات جديدة في ضوء وقف إطلاق النار.
تابع الحبر الأعظم يقول ليحمل إعلان عيد الميلاد التعزية لسكان ميانمار الذين، وبسبب استمرار الاشتباكات المسلحة، يعانون من آلام خطيرة ويُجبرون على الهرب من بيوتهم. ليُلهم الطفل يسوع السلطات السياسية وجميع الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة في القارة الأمريكية لكي يتم، في أقرب وقت ممكن، إيجاد حلول فعالة في الحقيقة والعدالة، من أجل تعزيز الوئام الاجتماعي، لاسيما في هايتي وفنزويلا وكولومبيا ونيكاراغوا، ولكي تُبذل الجهود، لاسيما في هذه السنة اليوبيلية، من أجل بناء الخير العام وإعادة اكتشاف كرامة كل شخص، متخطّين الانقسامات السياسية.
أضاف الأب الأقدس يقول ليكن اليوبيل فرصة لهدم جميع جدران الفصل: الأيديولوجية منها التي غالبًا ما تطبع الحياة السياسية، والمادية مثل الانقسام الذي يؤثر منذ خمسين عامًا على جزيرة قبرص وقد مزَّق نسيجها الإنساني والاجتماعي. أرجو أن يتمّ التوصل إلى حلّ مشترك يضع حدًّا للانقسام في الاحترام الكامل لحقوق وكرامة جميع الجماعات القبرصية. إن يسوع، كلمة الله الأزلي الذي صار إنسانًا، هو الباب المفتوح على مصراعيه الذي دُعينا لعبوره لكي نكتشف مجدّدًا معنى حياتنا وقدسية كلِّ حياة، ولكي نستعيد القيم المؤسِّسَة للعائلة البشرية. هو ينتظرنا على العتبة. هو ينتظر كل واحد منا، ولاسيما الأكثر هشاشة: هو ينتظر الأطفال، جميع الأطفال الذين يتألّمون بسبب الحرب والجوع؛ ينتظر المسنين الذين غالبًا ما يُجبرون على العيش في ظروف العزلة والترك؛ ينتظر الذين فقدوا بيوتهم أو يهربون من وطنهم في محاولة لإيجاد ملاذ آمن؛ ينتظر الذين فقدوا أو لا يجدون عملاً؛ ينتظر السجناء الذين، على الرغم من كلِّ شيء، يبقون أبناء الله على الدوام؛ وينتظر الذين يُضطَّهَدون بسبب إيمانهم.
تابع الحبر الأعظم يقول في يوم العيد هذا، لا يغيبنَّ أبدًا امتنانا تجاه الذين يجتهدون من أجل الخير بصمت وأمانة: أفكر في الآباء والمربين والمعلمين الذين لديهم مسؤولية كبيرة في تنشئة أجيال المستقبل؛ أفكر في العاملين في مجال الصحة وقوى الأمن وجميع الذين يلتزمون في أعمال المحبّة، ولاسيما المرسلين المنتشرين في جميع أنحاء العالم والذين يحملون النور والتعزية للعديد من الأشخاص الذين يعيشون في صعوبات. لهم جميعًا نريد أن نقول: شكرًا لكم!
وخلص البابا فرنسيس إلى القول أيّها الإخوة والأخوات، ليكن اليوبيل فرصة للإعفاء من الديون، لاسيما تلك التي تثقل كاهل البلدان الأكثر فقرًا. إن كل واحد منا هو مدعو لكي يغفر الإساءات التي تعرّض لها، لأن ابن الله الذي وُلد في برد الليل وظلامه يغفر جميع خطايانا. لقد جاء لكي يشفينا ويغفر لنا. وكحجاج رجاء، لنخرج للقائه! لنفتح له أبواب قلوبنا كما شرَّع هو لنا باب قلبه.
أتمنى لكم جميعًا عيد ميلاد مجيد.
Comments are closed.