ترأس نائب البابا العام على أبرشية روما الكاردينال بالداساري رينا القداس الإلهي صباح اليوم الأحد في كاتدرائية يوحنا اللاتيران بروما، مفتتحاً الباب المقدس لمناسبة بداية سنة اليوبيل. وألقى نيافته عظة توقف فيها عند مثل الابن الضال في الإنجيل، ولفت إلى أن الباب المقدس يرمز إلى ذراعي الآب اللتين فتحهما لاستقبال ابنه العائد إليه.
قال نيافته إنه من خلال فتح الباب المقدس نود أن نجدد إعلان الإيمان بالمسيح، الذي هو باب خلاصنا، وأن نؤكد على التزامنا بأن نكون بالنسبة لكل أخ وأختٍ علامة ملموسة للرجاء، فاتحين باب قلبنا من خلال مشاعر الرحمة والطيبة والعدل.
لفت الكاردينال رينا بعدها إلى أن الاحتفال يكتسب أهمية خاصة لكونه يتزامن مع عيد عائلة الناصرة المقدسة، التي هي نموذج لكل جماعة بيتية، ومرآة لشركة الثالوث الأقدس. وشجع المؤمنين في هذا السياق على أن يروا في أنفسهم عائلة الله، مدعوة للنمو في الوحدة والمحبة المتبادلة ولدعم كل الأسر بواسطة الصلاة، لاسيما تلك المتألمة والتي تواجه صعوبات.
مضى نيافته إلى القول إن كلمة الله المعلنة تساعدنا على التأمل في هويتنا كأبناء لله بواسطة الابن، وعلى أن ندرك دعوتنا للعيش كعائلة الله الواحدة. وأضاف أن الباب المقدس الذي عبرناه هو بمثابة عمل يومي نقوم به، ألا هو عبور باب بيوتنا، وهذا الباب المفتوح اليوم على مصراعيه لم يُدخلنا إلى بيت الرب وحسب، إنما إلى عمق قلبه أيضا.
بعدها توقف نائب البابا العام على أبرشية روما عند القراءة من رسالة القديس يوحنا الذي كتب “اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ”، وأضاف نيافته قائلا: أن نكون أبناء الله هو واقع مؤسِّس يُدخلنا في علاقة حية ومبدِّلة مع الآب. ولفت إلى أن الإيمان هو خبرة عميقة لعلاقة تُدخلنا ضمن ديناميكية البنوّة الإلهية. وهذه الحقيقة تتطلب عودة مستمرة إلى ينبوع محبة الله الأبوية، وتنير معنى كياننا وتصرفاتنا، وفي هذا السياق يشكل مثل الآب الرحوم مرآة لا بد من النظر إليها.
وتطرق نيافته بعدها إلى مثل الآب الرحوم أو الابن الضال، وأشار إلى أن الاهتمام يوجه نحو الابن الأصغر الذي طلب حصته من الإرث وانطلق، مقتنعا بأن حريته تكمن في التحرر من أبيه، وترك البيت الذي ترعرع فيه والبطن الذي حمله. وأضاف أنه في عالم اليوم يمكن أن ننظر إلى الله على أنه عدو حريتنا، والعائق الذي يمنعنا من تحقيق تطلعاتنا. اما الابن البكر، وعلى الرغم من كونه مطيعاً لأبيه، كان أسيرا لسوء فهم عميق إذ قال بعد أن عاد أخوه: “هَا أَنَا أَخْدِمُكَ سِنِينَ هذَا عَدَدُهَا، وَقَطُّ لَمْ أَتَجَاوَزْ وَصِيَّتَكَ، وَجَدْيًا لَمْ تُعْطِنِي قَطُّ لأَفْرَحَ مَعَ أَصْدِقَائِي”. وقال نيافته إنه في هذه الكلمات تظهر طاعةٌ خالية من المحبة، وبهذه الطريقة نظر الابنان إلى وضعهما في البيت الأبوي على أنهما خادمان، عوضا عن كونهما ابنين يحبهما الآب.
أما المفاجأة – تابع نيافته قائلا – فكانت في جواب الآب الذي قاطع ابنه قائلا: “ابْنِي هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ”، وتوجه إلى ابنه البكر قائلا له: “يَا بُنَيَّ أَنْتَ مَعِي فِي كُلِّ حِينٍ، وَكُلُّ مَا لِي فَهُوَ لَكَ”. وقال الكاردينال رينا في هذا السياق إن كوننا بنين ليس وضعاً نكتسبه أو نستحقه، بل هو عطية ترتكز إلى محبة الآب غير المشروطة. وأكد أن عجز الإنسان عن قبول الآب كمصدر للحب، يولد انقسامات بين الأخوة، كما أن رفض الابن البكر المشاركة في الاحتفال بعودة أخيه يُترجم إلى رفض لرابط الدم، إذ قال لأبيه: “وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ ابْنُكَ هذَا الَّذِي أَكَلَ مَعِيشَتَكَ مَعَ الزَّوَانِي، ذَبَحْتَ لَهُ الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ!” وتبين هذه العبارات المفعمة بالمرارة رفضا للأخوّة بيد أن الأب أجابه قائلا “أخوك هذا” محاولاً أن يجعل الابنين يدركان أنهما ينتميان إلى عائلة واحدة.
مضى الكاردينال رينا إلى القول إن القديس لوقا الإنجيلي يُخبرنا أنه فيما كان الابن الضال ما يزال بعيدا “رَآهُ أَبُوهُ، فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ”، وهنا يتجلى بوضوح قلب الأب الذي لم يكن ينتظر عودة الابن وحسب بل كان يسهر بأمل، ويشعر بالرأفة متقدة في أعماقه. ولم يماطل، بل هرع نحوه ليعانقه ويقبله بحنان لا متناه. وطلب نيافته من المؤمنين أن يفكروا بهذا الأب الذي يُحب بلا كلل، يقترب منا فاتحاً ذراعيه. والباب المقدس يرمز إلى هاتين الذراعين، بغض النظر عن ابتعادنا عنه وعن الأمور السيئة التي فعلناها. عندما نقرر أن نعود لا نجد أبداً باباً مقفلاً، بل نجد معانقةً تستضيفنا وتباركنا.
في ختام عظته شجع نائب البابا العام على أبرشية روما المؤمنين المشاركين في القداس على عدم التردد في عبور الباب الذي يقودنا نحو قلب الله، مضيفا أنه عندما نختبر فرح هذا الانتماء البنوي نتمكن بدورنا من زرع الرجاء وبناء الأخوة. إنها دعوة موجهة لنا لاستجابة لنعمة الله بقلب منفتح، كي تعيد لنا معانقتُه الكرامة وتجعلنا قادرين فعلا على إقامة علاقات من الأخوة الأصيلة.
Comments are closed.