صوماً يَراهُ الله بقلم القس سامر عازر

الصوم والصلاة متلازمتان في مفهوم الكتاب المقدس، وكل منهما يكمّل الآخر. فإن كانت الصلاة هي الحديث مع الله بواسطة القلب فإنَّ الصوم هو الإمتناع عن كل الشرور والمعاصي التي تفصلنا عن الله وتبعدنا عنه.
فأسمى غاية للإمتناع عن الأكل والشرب هي التفرغ للنمو في الحياة الروحية والتقرب من الله كما يعلمنا الكتاب المقدس، بعيدا عن إنشغالاتنا بمأكلنا ومشربنا وهموم حياتنا الكثيرة وإهتماماتنا، والإقتداء بما فعلته مريم أخت لعازر ومرثا عندما زارهم المسيح في بيت عنيا القريبة من القدس، إذ جلست عند أقدامه تستمع لكلامه مرتوية من نبع الحكمة الألهية الشافية للقلوب والنفوس.

وهكذا نحن في فصل الصوم الأربعيني الكبير الذي يسبق عيد القيامة المجيدة والذي عينته الكنيسة ليكون رحلة حج روحي ومسيرة صوم ترتبط بالصلاة وبالتفكّر بكل النعم والبركات التي أنعم بها الله علينا لنشكره عليها، ولنلتفت من حولنا إلى ألعازر المسكين الذي كان يشتهي أن يأكل من الفتات المتساقطة من مائدة أرباب ذلك الغني. فأمثال لعازر المسكين اليوم كثيرون، تنقصهم ليس فقط كسرة خبز بل وقفةً إنسانيةً وكلمةَ حق تقال من أجلهم، ومواقفَ جادة من أجل أن يحيوا حياة كريمة. ومن غير ذلك فإن صومنا هو نهاية في حد ذاته وليس وسيلة لفعل أفعال الخير والمحبة ومد يد العون والمساعدة لتخفيف آلام وجراحات الناس من حولنا والمعذبون في الأرض وضحايا النزاعات والصراعات وإنعدام العدالة وغياب الأمن والأمان.

لذلك يعلمنا الكتاب المقدس أن نتنبه لأهمية الصوم ولضرورته في حياتنا وحياة الآخرين، لا أن يشكل الصوم عبئا علينا، ولا السعي لكسب رضى الناس وإعجابهم، بل وسيلة لنرى الله من خلالها ونلتفت لعالمنا الذي يتطلب منا أن ننخرط في تقديم العون بقدر استطاعتنا وإمكانياتنا. فالأهم أن يرانا الله ويرى إخلاصنا وعملنا الصادق والأمين لأنه ينظر إلى القلب لا إلى العينين وإلى الوجوه العابسة.

فالصوم قوة وإنطلاقة لإجراء تغيير يَلمِسُ آثارَه مَن عصفت بهم الدنيا ومن تكسرت مجاديفُ حياتهم. فهذا هو الكنز الحقيقي الذي علينا أن نكنزه لأبديتنا وهو الكنز الذي يدوم ويبقى ولا يأكله السوس ولا الصدأ ولا يقدر سارق أن ينتزعه من رصيد حياتنا الأرضية.

إن هذه النظرة السليمة للصوم تضيء حياتنا بالكامل وتملأها مسرة وتجعل لها معنى، وبغير ذلك لا يتعدى صومنا الإمتناع عن الأكل والشرب أو الحرمان من أطعمة معينة. ومتى كانت عيننا سليمة فجسدنا كله يكون نيّرا مشرقا بنور محبة الله التي تعطي من غير حدود ومن قلب صادق محب.

فليكن إذا صومُنا صوماً حقيقيا لكي يراه أبانا السماوي، لننال منه وحده البركة والتكريم.

Comments are closed.