أحد المخلّع بقلم الخوري شوقي كرم
“ما هُوَ الأَسْهَل؟ أَنْ يُقَالَ لِلْمُخَلَّع: مَغْفُورَةٌ لَكَ خطَايَاك؟ أَمْ أَنْ يُقَال: قُمْ وَٱحْمِلْ فِرَاشَكَ وَٱمْشِ؟”
لو سألنا أنفسنا اليوم أمام حدث شفاء المخلّع نفسًا وجسدًا، بماذا نشبه نحن هذا المخلّع أو المفلوج؟ ولو كنّا مكانه ماذا كنّا نترجّى في حياتنا ونطلب من الربّ؟
إذا كان المخلع أو المفلوج مريضًا وما من أمل في شفائه واستعادة صحّته، فهنالك بيننا مَنْ هو مريض، ومرضه عادي أو مزمن أو خطير. بهذه الحالة جُلّا ما يرجوه ألّا يتطور مرضه ويقوده إلى حالة المخلّع، أو يرجو أن ينجح الأطباء والأدوية إذا ما توّفرت أن يساعدوه على الشفاء، كما ويرجو أن يتدّخل الله مباشرة ويشفيه بنعمة خاصة، أو أن يعطيه النعمة ليحمل ألمه ويحوّله بالاتّحاد مع آلامه إلى ألم خلاصي له ولمن يخصه. فالّذي شفى المخلع ألا يهمّه ويمكنه أن يشفيني إذا ما التجأت إليه بمرضي؟!
وإذا كان المخلّع شخصًا عاجز ًا عن الحركة وبالتالي عن القيام بأي عمل، وًعن تأمين أيّ من حاجاته الإنسانيّة الضروريّة لحياة كريمة، فهنالك اليوم الكثيرين من بيننا بلا عمل، معوزين، عاجزين عن إيجاد حلّ لوضعهم المتردي اقتصاديّا وإنسانيًّا، ويعيشون ممّا يُقدّم لهم من حسنات من الخيّرين، وفي يومياتهم حسرة على كلّ ما يحدث في البلد، وما باليد حيلة. في هذه الحالة، جلّا ما يرجوه أيّ منّا أن يشفق عليه الربّ وينحني عليه ويرحمه وينعم عليه بحالة قيمومة يحرّرنا بها من الظلم ويحلَّ العدالة! فالّذي شفى المخلع ألا يهمّه ويترجّى آن أتي إليه وألقي بثقلي وتعبي ليريحني؟!
وإذا كان المخلّعُ شخصًا خاطئًا، وَفْق نظرة اليهود، لأن الديانة اليهوديّة تعتبر المرض عقابًا من الله للخطأة، فنحن كلّنا نحمل في أعماقنا بعض ظلمات الخطيئة الّتي ارتكبناه بإرادة أو بدون إرادة، بوعي أو بدون وعي، ورغم كلّ جهودنا لم تستطع حريتنا وإرادتنا ولا أعمالنا الخيّرة من تحريرنا من أسره ونتائجها السلبية على حياتنا. في هذه الحالة، جُلّا ما أرجو من الله الّذي وحده قادر حقًّا على مغفرة الخطايا أن يساعدني على التوبة ويغفر لي لأتحرّر. فالّذي شفى المخلع ألا يجّد وراء النعجة الضّالة، ورائي، ليحملني على كتفيه إذا رضيت ويعيدني إلى حظيرة أبناء الله؟!
وإذا كان المخلّع طريح الفراش دائمًا ولا قدرة له على الاستمرار بالحياة بدون مساعدة مَن يخصّوه ومسؤولين عنه، فنحن في وطنٍ مُقعدٍ مستغلٍّ من المسؤولين عنه، ولا يبدو في الأفق أيّ رجاء بقيامة. في حالة وطننا هذه، جُلّا ما نرجو أن نحافظ على رجاءنا حيث لا رجاء، رجاءنا بأن الربّ سيّد التاريخ قادرٌ أن يتحنّن علينا ويختار من بيننا “الأوادم”، الّذين يعيشون بروح المسيح، ليحكموا كخُدّام لا كمخدومين على مثاله، ويحملوه ويسيروا به في طريق الخلاص، طريق المسيح! فالّذي شفى المخلع ألا يهمّه أن يحرّر شعبه المختار الّذي افتداه بابنه، ويرسل إليه من يخلّص من نير الشر والظلم واللاعدالة؟!
فـ “ما هُوَ الأَسْهَل؟ أَنْ يُقَالَ لِلْمُخَلَّع هذا الّذي نحن عليه: مَغْفُورَةٌ لَكَ خطَايَاك؟ أَمْ أَنْ يُقَال: قُمْ وَٱحْمِلْ فِرَاشَكَ وَٱمْشِ؟”. لقلنا إن الأسهل هو الشفاء الجسدي، والأصعب هو شفاء النفس من الخطايا. فإذا شُفيت النفس من الرذائل وتحرّرت من نير الشر، وغفرت خطاياها، استعادت الحريّة، حريّة أبناء النور، وصار بإمكانها أن تشع بالنور والفرح والحياة رغم الألم والوجع أيًّا كان مصدرهما.
ففي حالة واقعنا العائلي والراعوي والوطني والعالمي، جُلّا ما نتمنّاه توبة الأشرار في العالم، وعودتهم إلى أصالة طبيعتهم الخيّرة! فالّذي شفى المخلع ألا يسمع صراخ من يتوسل إليه لأجل توبة الأشرار بدل استمطار اللعنات عليهم؟!
وإذا كانت نفوسنا مخلّعة بالخطيئة، وكنا ممن يساهمون باستفحال الشرّ في العالم، وفي الوقت عينه نحن مؤمنون بأن المسيح ابن الله الحيّ يمكنه أن يفدينا ويحرّرنا من نير خطيئتنا، بخطوة صغيرة نخطوها لملاقاته في سرّ المصالحة، ووجدنا أنفسنا عاجزين أو متردّدين وحتى رافضين. فجلّا ما نرجوه في مثل هذه الحالة، أن توجد جماعة مسيحيّة ملتزمة لتحملنا وتضعنا أمام المسيح ليشفينا لأجل إيمانها لا إيماننا؟! فالّذي شفى المخلع أليس قادر أن يهدي واحدة من الجماعة المسيحية إلى رسالة المصالحة؟!
نعم يا ربّ، حيث تكون حاضرًا، وأنت حاضر في تاريخنا، لا مكان لمخلع أن يبقى مخلّعًا إذا ما استطاع أن يصل إليك وطلب منك الشفاء نفسًا وجسدًا. فلا تحرم مخلّعًا من وسيلة ليصل إليك لتتحنن عليه وتشفيه بكلمة من فيك ولمسية من يديك. آمين.
Comments are closed.