توما الرسول بقلم الأب جورج شرايحه


اليوم يوم قيامة فلنتهلل ونفرح يا معشر تلاميذ الرب الا ان هناك من لا يؤمن منهم ومنا الا اذا جس النبض ووضع يديه الملموستين في الجنب الطعين ووضع اصبعه على اثر المسامير وعاين .
ولأن السيد يحبنا يبرهن لنا مرات كثيرة على حبه اللامتناهي ويقول :
“ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: «هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا».”
(يو 20:

توما مثله مثل الكثيرين منّا، لأن الإيمان والشكّ مترافقان في الحياة. ضدّ الإيمان جحود كائن أو إلحاد. الشكّ يصعد من شهواتنا إلينا ويجعلنا غير مؤمنين، غير مقبلين إلى المسيح إقبالاً كلّيًّا. أن يكون الإنسان مؤمنًا هو أن يعتبر الله مأمنه. في الإنسانيّة حالات اضطراب، كلّ منّا يفتّش عن مأمن. ما دام الإنسان يخشى الموت فهو يصطنع قوّات أمن تحفظه من الموت المداهم، ولكنّ الموت الكبير هو الموت الروحيّ، هو موت النفس بالخطيئة في سيّئاتها وهي تحاول النهوض ولا تنهض، فتسقط يومًا بعد يوم، وتجدّد العزم على المضيّ مع السيّد، ولكنّها لا تمضي فتتخلّف عن مسايرة يسوع. النفس تسلّم ذاتها للسيّد ولكنّ العاصفة تهبّ فيها، وهي تسمع النوء فتغرق. كما يرى ذلك العلامة المطران خضر

حيث يضيف ويقول إنّه جهد يوميّ، جهاد مضنٍ، دائم، أن نكون دائمًا شاخصين إلى يسوع بحيث لا يتجاذبنا هوى، وبحيث لا نعود إلى الوراء بعد أن وضعنا يدينا على المحراث.

توما كان صورة عن كلّ منّا، وقيمته في تاريخ الخلاص أنّ شكّه ثبّت قيامة المسيح، ثبّت إيماننا بهذه القيامة. وشكّه يضطرّنا إلى الرجوع إلى القيامة إذ لا مهرب لنا من خطيئتنا إلاّ إلى وجه السيّد المضيء. مهما قمنا بمحاولات لننهض فلن نستطيع شيئًا، لا نستطيع إلاّ أن نسلّم النفس إلى يسوع بصورة كاملة. عندئذ فقط ينيرنا هو ويدخل إلى النفس ويطهّرها من ويلاتها ويرفعها من كبوتها. المسيح يجلس في قاع النفس، يمتدّ في النفس البشريّة، وإذا أخذ مكانه فلا يبقى مكان لآخر. وعندئذ نحن في النور ونحن متغلّبون على الشكوك.

هذا ما تؤكّده لنا الكنيسة في الصلاة: نرتّل في صلاة السَحر: «إنّ التلاميذ لمّا كانوا مشكّكين، وافى المخلّص إلى حيث كانوا مجتمعين بعد ثمانية أيّام وأعطاهم سلامًا، وهتف بتوما: هلمّ أيّها الرسول فتّش الكفّين اللتين ثُقبتا بالمسامير. فيا لمستطرف عدم تصديق توما إذ أقبل بقلوب المؤمنين إلى المعرفة وهتف بخوف: ربّي وإلهي …

يا له من عجب معجز لأنّ عدم الإيمان صار تأكيدًا للإيمان لأنّ توما قال: إن لم أبصر فلا أصدّق. فلمّا فتّش الجنب نطق بلاهوت المتجسّد الذي هو ابن الله، وعرف أنّه تألّم بالبشرة، وهتف كارزًا بالإله الناهض، وصرخ بنغمة جهيرة ربّي وإلهي المجد لك».

تقول لنا الكنيسة: نحن نؤمن بسبب شكّ توما ونؤمن بسبب عودته. هذا هو الأمر المهمّ وبسببه نحن نعيش. نعيش لأنّ واحدًا قام وتاليًا فنحن سنقوم معه. نحن قائمون الآن من الخطيئة ومن الفساد، قائمون بالحرّيّة في اليقين وفي الحبّ. هذه هي القيامة. نحن قائمون ونعلم أنّنا غالبون للخطيئة، للاضطراب، للفساد، للعزلة، نحن قائمون لأنّ جسد الربّ ودمه ينغرسان فينا بالمناولة المقدّسة. جسدنا المائت يُبعث حيًّا لأنّ جسد الله إذا وُضع فينا لا يفنى. نحن نقوم لأنّنا نتناول جسد الربّ ودمه، وإذا وُضعت جثّتنا في القبر فجسد الربّ الذي كان غذاءنا لا يفنى. جسد الربّ الذي فينا هو يبعثنا من القبر، وبسببنا يقوم العالم بأسره لأنّنا نحن في العالم خميرة تخمّر العجين كلّه. فما أظرف عدم تصديق توما إذ أقبل بقلوب المؤمنين إلى المعرفة وهتف بخوف: ربّي وإلهي… لأنّ عدم الإيمان صار تأكيدًا للإيمان.

Comments are closed.