تعالوا إليّ… وأنا أريحكم بقلم القس سامر عازر
في زمنٍ تتزايد فيه الضغوط وتُثقل فيه القلوب، تتردد كلمات السيد المسيح كنداء لا يغيب:
“تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم” (متى 11: 28).
ليست هذه الكلمات مقطعًا من نصوص العزاء التقليدية، بل هي دعوة مفتوحة تتجاوز حدود الزمان والمكان، وتخاطب الإنسان المتعب حيثما وُجد، مهما كانت خلفيته أو حالته ليجد راحة نفسه الحقيقية.
فالتعب ليس فقط جسديًا، فهناك من يعيشون تعَب الروح، وتعب الضمير، وتعب السؤال الوجودي، وتعب العلاقات الإنسانية التي أرهقتها الأنانية أو الصراعات. هناك من يحملون في داخلهم حزنًا دفينًا، أو خيبة، أو شعورًا بعدم القيمة. ففي مجتمعنا اليوم، ومع تسارع الحياة وتراكم التحديات، تزداد أعداد “المتعبين والثقيلي الأحمال”. لذلك يقول السيد المسيح، تعالوا إلي.. إنها علاقة تبدأ من قبول الدعوة، إلى نيل الراحة الحقيقية، إلى الإزهار بالقيام بمسؤولياتنا بفرح ومسرة كأحرار لا كعبيد تحت نير العبودية. .
وفي السياق ذاته، يقول السيد المسيح: “أحمدك أيها الآب، لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء، وأعلنتها للأطفال.” ففي منطق الله، لا يدخل من يظن نفسه مكتفيا بذاته إلى عمق الراحة والسلام، بل مَن يقتربُ إلى الله بإيمان الطفل، ببساطة القلب، وتواضع النفس. هذه البساطة ليست جهلًا، بل نقاء واستعداد للإنفتاح على الله، والحياة، والآخَر.
ومجتمعنا بحاجة إلى أشخاص يرتاحون في ذواتهم ليصيروا قادرين على منح الراحة للآخرين. فالإنسان الذي يعيش سلامًا داخليًا، هو إنسان أقدر على الإصغاء، على التفاهم، على العيش المشترك. أما من يحيا في صراع دائم مع ذاته، فلا عجب إن انتقل هذا الصراع إلى بيته، وعمله، ومجتمعه.
والسيد المسيح لا يعِدنا فقط براحة عاطفية، بل بتغيير جذري في نوعية الحياة: “احملوا نيري عليكم، وتعلّموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم.” فالوداعة والتواضع هنا ليست ضعفًا، بل مصدر قوة، تجعل الإنسان قادرًا على أن يحمل مسؤوليات بصدق وأمانة، لا أن يُثقل منها بل أن يقوم بها بفرح وسلام، فيقدر أن يُعين وأن يصنع سلامًا، وأن يُحدث فرقا جوهريا في حياة المجتمع والآخرين.
ودعوة المسيح هي دعوة لراحة النفس الحقيقية.. ففي هذا العالم. فالوعود كثيرة، لكن الوفاء قليل، ووعد المسيح وعد صادق وأمين. ودعوته “تعالوا…” موجّهة لكل من يشعر بالتعب في قلبه وبالثقل في ضميره، ولا يزال يقول: “وأنا أريحكم.”
Comments are closed.