الأَحَدُ السَّادِسُ مِنْ زَمَنِ القِيَامَةِ بقلم الخَوْرِيُّ شَوْقِي كَرَم
“لا تَخَافُوا وَلَا تَرْتَعِدُوا أَمَامَهَا، فَإِنَّ الرَّبَّ إِلَهَكَ هُوَ السَّائِرُ مَعَكَ وَلَا يُهْمِلُكَ وَلَا يَتْرُكُك”َ )تثْنِيَةُ ٣١: ٣(
بعدما قادَ مُوسَى الشَّعْبَ المُخْتَارَ طِوالَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الصَّحْرَاءِ مُصْغِيًا إلى أَوَامِرِ الرَّبِّ، لَمْ يَسْمَحْ لَهُ الرَّبُّ بِدُخُولِ الأَرْضِ الَّتِي وَعَدَهُ بِهَا.
هذَا لأَنَّ مُوسَى لَمْ يُطِعْ أَمْرَ الرَّبِّ الَّذِي طُلِبَ إِلَيْهِ أَنْ يُكَلِّمَ الصَّخْرَةَ لِتُعْطِيَهُ مَاءً هُوَ وَالشَّعْبُ، فَضَرَبَهَا بِعَصَاهُ مَرَّتَيْنِ، لِتَتَفَجَّرَ الْمِيَاهُ مِنْهَا بِرَحْمَةِ اللهِ لَهُ وَلِشَعْبِهِ.
وَالسَّبَبُ الثَّانِي أَنَّ مُوسَى نَسَبَ عَجِيبَةَ الْمِيَاهِ إِلَيْهِ وَإِلَى أَخِيهِ هَارُونَ: “هَلْ عَلَيْنَا أَنْ نَحْمِلَ لَكُمُ الْمَاءَ مِنَ الصَّخْرِ؟” (العدد ٢٠: ١٠).
وَالسَّبَبُ الثَّالِثُ عَدَمُ ثِقَتِهِمَا بِكَلَامِ اللهِ وَتَمَرُّدُهُمَا عَلَيْهِ، وَالْمَثَلُ السَّيِّئُ الَّذِي قَدَّمَاهُ لِلشَّعْبِ.
وَرَغْمَ ذَلِكَ، رَحِمَ الرَّبُّ مُوسَى لِمَا عَاشَهُ طِوالَ حَيَاتِهِ وَنَقَلَهُ إِلَى السَّمَاءِ.
رَغْمَ مَا فَعَلَهُ مُوسَى، تَابَعَ الرَّبُّ مَشْرُوعَهُ الْخَلَاصِيَّ مَعَ شَعْبِهِ وَأَوْكَلَ إِلَى يَشُوعَ بْنِ نُونٍ أَنْ يُتَابِعَ الْمَسِيرَةَ وَيَدْخُلَ الشَّعْبَ إِلَى أَرْضِ الْمِيعَادِ، دَاعِيًا إِيَّاهُمْ أَلَّا يَخَافُوا وَلَا يَرْتَعِدُوا أَمَامَ الْأَعْدَاءِ، لِأَنَّهُ هُوَ الرَّبُّ الإِلَهُ، “إِلَهُكَ هُوَ السَّائِرُ مَعَكَ وَلَا يُهْمِلُكَ وَلَا يَتْرُكُكَ” )تثْنِيَةُ ٣١: ٣(.
وَكَذَلِكَ الأَمْرُ، فَعَلَ الرَّبُّ يَسُوعَ مَعَ الرُّسُلِ نَوَاةِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِينَ رَغْمَ قِيَامَتِهِ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ وَظُهُورِهِ لَهُمْ بَقُوا مُشَكِّكِينَ وَخَائِفِينَ وَمُرْتَعِدِينَ، فَظَهَرَ لَهُمْ مِنْ جَدِيدٍ وَأَكَلَ مَعَهُمْ وَكَلَّمَهُمْ شَارِحًا لَهُمْ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ بِشَأْنِ مَوْتِهِ وَقِيَامَتِهِ، لِيُثَبِّتَهُمْ بِإِيمَانِهِمْ وَيَكُونَ لَهُمْ الْخَلَاصُ، وَيُحَوِّلَهُمْ إِلَى شُهُودٍ حَقِيقِيِّينَ لَهُ يَحْمِلُونَ إِنْجِيلَهُ إِلَى أَقَاصِي الْأَرْضِ.
وَنَحْنُ الَّذِينَ لَدَيْنَا هَذِهِ الْكَلِمَةَ، كَلِمَةَ اللهِ، كَلِمَةَ الإِيمَانِ الَّتِي نَادَى بِهَا الرُّسُلُ لِلْخَلَاصِ (رُومِيَّةَ ١٠: ٩-١١)، هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْقَرِيبَةُ مِنَّا، فِي فَمِنَا وَقَلْبِنَا، كَمَا سَمِعْنَا فِي الرِّسَالَةِ الْيَوْمَ، فَمَاذَا نَعْمَلُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ؟
وَإِذَا كَانَ لَا يَكْفِي سَمَاعُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ بَلْ فَهْمُهَا وَحِفْظُهَا لِتَثْبُتَ فِينَا وَتُعْطِي ثَمَرَهَا، فَكَمْ مِنَ الْوَقْتِ نُعْطِي مِنْ حَيَاتِنَا لِقِرَاءَةِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَالتَّأَمُّلِ بِهَا، وَلِسَمَاعِ شَرْحِ الْكَنِيسَةِ لَهَا؟!
حِينَ نَرَى مَا يَعِيشُهُ غَالِبِيَّةُ الْمَسِيحِيِّينَ الْيَوْمَ مِنْ هَلَعٍ وَخَوْفٍ وَاضْطِرَابٍ وَفُقْدَانٍ لِلسَّلَامِ الدَّاخِلِيِّ، نَسْأَلُهُمْ وَنَسْأَلُ أَنْفُسَنَا: هَلْ حَقًّا أَنْتُمْ مُتَبَنُّونَ لِكَلِمَةِ اللهِ فِي حَيَاتِكُمْ؟
أَلَيْسَ الَّذِي دَعَا الشَّعْبَ الْقَدِيمَ وَوَعَدَهُ بِلِسَانِ مُوسَى قَائِلًا لَهُ: “لا تَخَافُوا وَلَا تَرْتَعِدُوا أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ، فَإِنَّ الرَّبَّ إِلَهَكَ هُوَ السَّائِرُ مَعَكَ وَلَا يُهْمِلُكَ وَلَا يَتْرُكُكَ)تثْنِيَةُ ٣١: ٣(، هُوَ نَفْسُهُ يَدْعُونَا بِلِسَانِ يَسُوعَ وَيَعِدُنَا قَائِلًا: لا تَخَافُوا، هَأَنَذَا مَعَكُمْ إِلَى مُنْتَهَى الدَّهْرِ… وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَى كَنِيسَتِي.
إِلَى مَتَى سَنَبْقَى نُرَاهِنُ فِي أَمْرِ خَلَاصِنَا عَلَى كَلَامِ الْبَشَرِ!
أَلَمْ تَحِنِّ السَّاعَةُ لِنَعُودَ مِنْ كُلِّ قُلُوبِنَا إِلَى الإِصْغَاءِ إِلَى كَلِمَةِ اللهِ، جَاهِدِينَ أَنْ نَتَغَذَّى مِنْهَا يَوْمِيًّا، تَارِكِينَ إِيَّاهَا أَنْ تُنِيرَنَا وَتُنَقِّيَنَا وَتُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ فِكْرٍ يُنَاقِضُ فِكْرَ الْمَسِيحِ، وَتُغَيِّرَ فِينَا، فِي طَرِيقَةِ تَفْكِيرِنَا وَأَحْكَامِنَا وَعِيشِنَا، فَتَتَجَلَّى صُورَةُ الْمَسِيحِ فِينَا، وَنَنْعَمُ بِسَلَامِهِ، السَّلَامِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يُعْطِينَا إِيَّاهُ وَلَا أَنْ يَنْزِعَهُ مِنَّا، وَنَصِيرُ شُهُودًا حَقِيقِيِّينَ لَهُ، يَرَاهُ مَنْ يَرَانَا!
يَا رَبُّ! أَلَا فَاعْطِنَا أَلَّا نَتَأَخَّرَ بِالْعَوْدَةِ إِلَى تَغْذِيَةِ نُفُوسِنَا بِكَلِمَتِكَ، كَلِمَةِ النُّورِ وَالْحَقِّ وَالْحَيَاةِ، وَقَوِّنَا بِرُوحِكَ الْقُدُّوسِ عَلَى حِفْظِهَا وَالْعَمَلِ بِمَا تَأْمُرُنَا بِهِ، لِتَكُونَ لَنَا الْحَيَاةُ الْحَقَّةُ، وَوَفْرَةُ الْحَيَاةِ، كَمَا وَعَدْتَ. آمِينَ.
Comments are closed.