المحبةُ الفائقةُ المَعرِفة بقلم القس سامر عازر
نحن مدعويين لإختبارٍ حقيقي لمحبة المسيح الفائقة المعرفة ، تلك المحبة التي لا يمكن أن تُحصر في مفاهيم عقلية أو تُقاس بمقاييس بشرية. إنها “تفوق كلَّ معرفة”، ومع ذلك فهي تُختبر وتُعاش بقوة الروح القدس في أعماق كياننا، في “الإنسان الباطن”.
أولا، محبة المسيح غير محدودة وغير مشروطة:
محبة المسيح ليست مجرد عاطفة أو شعور مؤقت، بل هي قوة فاعلة تُغير القلوب وتجدد النفوس. إنها المحبة التي انتهت بالمسيح في درب الآلام والجلجثة، ولا يمكن للإنسان بعقله البشري أن يُدرك تمامًا أبعاد هذه المحبة، لكن يمكن للروح القدس أن يكشف لنا عنها ويزرعها في أعماق كياننا، لنعرف أبعادها: “العرض والطول والعمق والعلو”، لأنها سوف تحيط بنا من كل جانب، تسندنا، وترفعنا، وتحملنا في كل ظروف حياتنا.
ثانيا، الإنسان الباطن وقوة الروح القدس:
ولكي نعيش اختبار هذه المحبة، نحن بحاجة إلى تأييد داخلي، إلى عمل إلهي في “الإنسان الباطن” – ذلك الجزء العميق فينا، حيث تكمن إرادتنا وميولنا ونزعاتنا. هنا، لا يكفي الجهد البشري، بل نحتاج إلى “قوة من الروح”، تلك القوة التي يسكبها الله فينا بحسب غنى مجده.
فالروح القدس لا يمنحنا فقط معرفة نظرية عن محبة المسيح، بل يقودنا إلى الإتحاد الحقيقي معه. إنه يسكن فينا، ويقوينا، ويُثبتنا في المحبة بالإيمان في قلوبنا. عندها لا يعود وجوده فينا مجرد فكرة، بل يصبح هو الحياة، هو المحبة، هو النور الذي يضيء أعماقنا.
ثالثا، الإمتلاء إلى كلِّ ملءِ الله:
ومن معرفة محبة المسيح، هو “أن نمتلئ إلى كلِّ ملءِ الله”. هذه عبارة تكشف أن الله لا يريد أن يعطينا القليل، بل يريد أن يملأنا بحضوره، فنصبحَ صورتَهُ الظاهرة في هذا العالم. وهذا الإمتلاء لا يحدث من خلال أعمال برّنا، بل من خلال علاقة حية يومية مع الله، فيها نسكن في كلمته المقدسة، وننفتح على صوته، ونتجاوب مع عمل روحه فينا.
لذلك، محبة المسيح الفائقةُ المعرفة ليست دعوة للتأمل فقط، بل هي حياة تُعاش بقوة الروح القدس. إنها تدفعنا نحو عمق العلاقة مع الله، وتُخرجنا من ذواتنا لنحيا لخدمة الآخرين، وتُشكل فينا صورة المسيح.
Comments are closed.