الأحد السابع من زمن القيامة بقلم الخوري شوقي كرم


“وَصِيَّةً جَديدَةً أُعْطِيكُم، أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُم بَعْضًا. أَجَل، أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُم بَعْضًا كَمَا أَنَا أَحْبَبْتُكُم”


لّما سئُلَ يسوع عن أعظم الوصايا بالتوراة أجاب: “أَحْبِبِ الرَّبَّ إِلـهَكَ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وكُلِّ نَفْسِكَ، وكُلِّ فِكْرِكَ. هـذِهِ هِيَ الوَصِيَّةُ الأُولى والعُظْمَى. والثَّانِيَةُ تُشْبِهُهَا: أَحْبِبْ قَريبَكَ كَنَفْسِكَ! بِهَاتَينِ الوَصِيَّتَينِ تَتَعَلَّقُ التَّورَاةُ كُلُّهَا والأَنْبِيَاء” (متى 22: 25).
في الواقع، بدون هذا الحبّ الكلّي لله والإنسان، لا ينفع الإيمان ولا الرجاء ولا أعمال الخير كما يقول لنا بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس: ” لو تَكَلَّمتُ بلُغاتِ النَّاسِ والمَلائِكة، ولَم تَكُنْ لِيَ المَحبَّة، فما أَنا إِلاَّ نُحاسٌ يَطِنُّ أَو صَنْجٌ يَرِنّ. ولَو كانَت لي مَوهِبةُ النُّبُوءَة وكُنتُ عالِمًا بِجَميعِ الأَسرارِ وبالمَعرِفَةِ كُلِّها، ولَو كانَ لِيَ الإِيمانُ الكامِلُ فأَنقُلَ الجِبال، ولَم تَكُنْ لِيَ المَحبَّة، فما أَنا بِشَيء. ولَو فَرَّقتُ جَميعَ أَموالي لإِطعامِ المَساكين، ولَو أَسلَمتُ جَسَدي لِيُحرَق، ولَم تَكُنْ لِيَ المَحبَّة، فما يُجْديني ذلكَ نَفْعًا.” (13: 1-3).
إذًا، ما الجديد في وصيّة يسوع بالمحبّة؟
الجديد في وصيّة يسوع بالمحبّة هو أنّه دعانا إلى أن نُحبّ بعضنا بعضًا كما هو أحبّنا. بلفظة “كما”، صارت الدعوة إلى التشبّه بحبّه لنا المبدأ الخلقيَّ الثابت والنهائيّ لِنقُيّم مِقدار صِحّة وصدق حبّنا للقريب.
لهذا، يمكنني أن أحبّ كما أريد وكما أفكّر، معتقدًا ومُدّعيًا بأنني أحبّ فعلًا. ولكن إذا أردت أن أكون مسيحيًّا حقيقيًّا، لا يُمكنني الادّعاء بأنني لبّيت وأعيش دعوة المسيح إلى الحبّ، الطريق الوحيد إلى القداسة، أي إلى مشاركة الله في حياته، إلّا إذا أحببت قريبي كما هو أحبّه؛ والقريب هو كلّ إنسان نتقرّب منه بالحبّ.
لنتّأمل في حبّ المسيح لنا، لنتأكّد من أننا نحبّ بعضنا بعضًا كما هو أحبّنا. يمكننا أن ننطلق من مثل السامريّ الصالح الّذي شرحه المسيح لنا وللفريسيّ كيف تُعاش وصيّة المحبّة للقريب؛ لأن هذا السامري الصالح (لوقا 10: 25-37) ليس سوى المسيح نفسه.
يقول لنا يسوع المسيح في هذا المثل إن السامري عدو اليهودي المتروك بين حيّ وميت لما رأى حالته لم يَزورّ عنه مثل الكاهن واللاوي، بل أشفق عليه، ونزل عن دابته وانحنى عليه وأخذ يبلسم جراحه وحمّله على دابته وأخذه إلى فندق ليُعْتنَى به، ودفع كلّ ما يتوجّب لأجل شفائه.
هكذا تجلّى حبّ المسيح لنا، لمّا كنا خطأة وأعداءه، لم يحوّل نظره عنا، بل أخلى ذاته، وصار كالعبد، وسارع إلى لقائنا، وعاش معنا، وتألم لألمنا، فانحنى علينا باحترام وتفهّم وحنان، وأنار ضمائرنا بكلمة الحقّ والحياة والنور، وشاركنا في كلّ ما لديه مجّانًا، فقدّم ذاته على الصليب كفّارة عنا، وشفانا بدمه من جراح خطايانا وحرّرنا، وبجسده الّذي أعطانا إياه مأكلًا ردّ لنا حياة البنوّة لله.
لهذا، إذا كنّا نُحبُّ كما المسيح أحبّنا، فهذا يعني أن نُحوّلَ أنظارنا عن ذواتنا ونتوجه نحو الآخر لنراه، ونصير بطواعيّة وجهوزيّة مُستعدينَ في كلّ حين لأن “نكون مع هذا الآخر”، بما فيه القريب والعدو، نتألم لألمه، نعاني معه، ننحني عليه برقّة وعذوبة ولطف ورحمة لنبلسم جراحه، ونعمل ما في وسْعنا بكلّ ما أعطينا مِن عطايا ومواهبَ ونِعَمٍ وخيراتٍ على شفائه، لنعيده إلى الحياة، إلى العلاقات، إلى الانتماء الدينيّ والاجتماعيّ، إلى حبّ الحياة.
لهذا، من يعيش بهذا الحبّ كما المسيح أحبّ ينطبق عليه ما جاء في رسالة مار يوحنا الأولى: “كُلَّ مُحِبٍّ مَولودٌ لله وعارفٌ بِالله مَن لا يُحِبّ لم يَعرِفِ الله
لأَنَّ اللّهَ مَحبَّة” (1 يوحنا 4: 8).
فيا ربّ! قُدْ خُطواتنا كلّ يوم لنعمل على أن نُحبّ بعضنا بعضًا كما أنت أحببتنا، لنشاركك في تَحويل عالمنا إلى عالمٍ أكثر إنسانيّة!. آمين!.

Comments are closed.