عيد العنصرة بقلم الخوري شوقي كرم
“إِنْ تُحِبُّونِي تَحْفَظُوا وَصَايَاي. وَأَنَا أَسْأَلُ الآبَ فَيُعْطِيَكُمْ بَرَقْلِيطًا آخَرَ مُؤَيِّدًا يَكُونُ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ”.
في الأصل، عيدُ العَنْصَرَةِ عيدٌ يَهُودِيٌّ، يَجْتَمِعُ فيه اليَهُودُ بعدَ خَمْسِينَ يَوْمًا مِن عيدِ الفِصْحِ لِمُدَّةِ سَبْعَةِ أَسَابِيع، لِيَشْكُرُوا اللهَ على مَحْصُولِ الجَنَى، وَلِيُحْيُوا ذِكْرَى نُزُولِ الشَّرِيعَةِ المُوسَوِيَّةِ، والوَصَايَا العَشْرِ مِنَ السَّمَاءِ على يَدِ مُوسى (خُر ٢٣: ١٦).
وفي المَسِيحِيَّةِ، عيدُ العَنْصَرَةِ هو عيدُ حُلُولِ الرُّوحِ القُدُسِ على الرُّسُلِ وَالعَذْرَاء، ومَنْ اجْتَمَعَ مَعَهُم مِن تَلَامِيذَ وَنِسَاءٍ، بَعدَ خَمْسِينَ يَوْمًا على قِيَامَةِ المَسِيح.
في الحَقِيقَةِ، عيدُ العَنْصَرَةِ عندَ اليَهُودِ كما عندَ المَسِيحِيِّين يُذَكِّرُنَا بأنَّ ما أَعْطَاهُ اللهُ لِشَعْبِهِ، هو وَحْدَهُ القَادِرُ على أَنْ يَجْمَعَ أَبْنَاءَ شَعْبِ اللهِ المُتَفَرِّقِينَ وَيُوَحِّدَهُم باللهِ، وَيُوَحِّدَهُم بَعْضَهُم بِبَعْض:
مَنْ يُحِبُّ اللهَ يَقْبَلِ الكَلِمَاتِ العَشْرَ وَيَحْيَا وَفْقَهَا، وَيُصْبِحُ مِن خَاصَّةِ اللهِ.
ومَنْ يُحِبُّ يَسُوعَ وَيَحْفَظْ وَصَايَاه، يَمْنَحْهُ اللهُ الآبُ عَطِيَّةَ الرُّوحِ القُدُسِ لِكَيْ يَمْتَلِئَ فَهْمًا لِوَصَايَا المَسِيح، وَحِكْمَةً لِحِفْظِهَا، وَشَجَاعَةً لِعَيْشِهَا، وَيَذُوقَ طَعْمَ الحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ هُنَا على الأَرْض، وَيَنْعَمَ بِمِلْئِهَا في الحَيَاةِ الثَّانِيَةِ.
والعَكْسُ صَحِيح: عِندَمَا يَتَمَرَّدُ المُخْتَارُونَ على الرَّبِّ الإلَه، وَيُقَرِّرُونَ أَنْ يَعِيشُوا مِن دُونِ اللهِ، ومِن دُونِ شَرِيعَتِهِ، ومِن دُونِ ابْنِهِ، وَيَعْمَلُونَ على بِنَاءِ بُرْجٍ يُوصِلُهُم إلى السَّمَاءِ — أَي أَنْ يَصِلُوا إلى قِمَّةِ المَعْرِفَةِ وَالسَّعَادَةِ وَالسَّلَامِ، بِقُوَّةِ عِلْمِهِم وَقُدُرَاتِهِم وَعُقُولِهِم — سَيَتَبَلْبَلُونَ وَيَتَفَرَّقُونَ بِدَعًا وَشِيَعًا وَأَحْزَابًا، وَسَيُنْهِجُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، كَمَا نَرَى اليَوْمَ في عَالَمِنَا.
ونَحْنُ الَّذِينَ اعْتَمَدْنَا بالمَسِيحِ، وُلِدْنَا مِن جَدِيدٍ بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُس؛ وِلادَةٌ بِهَا لَبِسْنَا المَسِيحَ وَصِرْنَا أَبْنَاءً حَقِيقِيِّينَ للهِ على صُورَةِ يَسُوع، وَهَيْكَلًا لِلرُّوحِ القُدُس، وَأَعْضَاءً مُكَوِّنِينَ لِجَسَدِ المَسِيحِ السِّرِّي، أَي لِكَنِيسَتِهِ، فَصِرْنَا جَمَاعَةً وَاحِدَةً بِالرُّوحِ القُدُس.
وزادَ اللهُ مِن فَيْضِ مَحَبَّتِهِ المَجَّانِيَّةِ لَنَا، وَرَحْمَتِهِ بِنَا، لا لأَعْمَالِ بِرٍّ عَمِلْنَاهَا، فَمَنَحَنَا، بِسِرِّ التَّثْبِيتِ، مِلْءَ مَوَاهِبِ الرُّوحِ القُدُس، لِنَقْدِرَ أَنْ نَعِيشَ، بِأَمَانَةٍ، بُنُوَّتَنَا لَهُ، وَأُخُوَّتَنَا بَعْضُنَا لِبَعْض.
وإذا كُنَّا نُرِيدُ أَنْ نَعْرِفَ ما إِذَا كُنَّا بَعْدُ ثَابِتِينَ بِهذِهِ الهُوِيَّةِ الجَدِيدَة، وَعَامِلِينَ على ما تُوجِبُهُ لِنَنْعَمَ بِثِمَارِهَا — ثِمَارِ الحُبِّ وَالسَّلَامِ وَالفَرَحِ الحَقِيقِيِّ — يَكْفِي أَنْ نُسَائِلَ نُفُوسَنَا: أَنَحْنُ اليَوْمَ سَالِكُونَ وَفْقَ رُوحِ اللهِ، أَمْ وَفْقَ رُوحِ العَالَمِ؟
فَإِنْ كَانَتْ فِينَا مَحَبَّةٌ وَمَغْفِرَةٌ وَلُطْفٌ وَعَذُوبَةٌ وَعَفَافٌ وَاتِّحَادٌ، وَكُلُّ مَا هُوَ جَمِيلٌ وَحَقِيقِيٌّ وَخَيِّر، فَإِنَّنَا نَكُونُ سَالِكِينَ بِالرُّوحِ القُدُس. والعَكْسُ صَحِيح: إِذَا كَانَ فِينَا خِصَامٌ وَانْقِسَامٌ وَبُغْضٌ وَحِقْدٌ وَأَنَانِيَّةٌ وَكُلُّ مَا هُوَ بَشَاعَةٌ وَكَاذِبٌ وَشِرِّير، فَإِنَّنَا نَكُونُ سَالِكِينَ بِرُوحِ العَالَم.
فَيَا رَبِّ! مَهْمَا كَانَتْ أَحْوَالُنَا اليَوْمَ كَأَفْرَادٍ وَكَنِيسَة، سَاعِدْنَا على أَنْ نَفْتَحَ قُلُوبَنَا على عَمَلِ رُوحِكَ القُدُّوس، لِيُجَدِّدَ فِينَا صُورَتَكَ، صُورَةَ الأَبْنَاءِ الحَقِيقِيِّينَ لَكَ، وَالإِخْوَةِ بَعْضُنَا لِبَعْض، لِنَسْتَطِيعَ أَنْ نُجَدِّدَ عِيَالَنَا وَعَالَمَنَا، فَنَنْعَمَ بِثِمَارِ العَنْصَرَة:
الوَحْدَةُ، وَالأُخُوَّةُ، وَالتَّضَامُنُ بِالمَحَبَّةِ وَالسَّلَام. آمِينَ!
Comments are closed.