إلى أبي بقلم الأب الياس كرم

لم أكن يومًا أحتاج إلى “عيد الأب” لأنحني أمام قامتك الشامخة. لم يكن هذا النهار دافعًا لأُكرمك أو لأنتقي الكلمات التي تليق بمقامك في حياتي. فمحبّتك، وإكرامك، وتقديري لك، كانت رفيقتي في كلّ أيام عمري، وما زالت.

أقرّ وأعترف، أنك مذ غادرت جسدك الأرضي، لم تغب عني لحظة. تسكن كياني، ترافقني روحك، ألجأ إلى حكمتك، وأتلمّس من حضورك الخفيّ النصحَ والتوجيه في كلّ تفصيل من يومي.

حنانك، عطاؤك، رعايتك، ودعمك، ما زالت تسندني في الطريق. أرجو من العليّ أن تنظر إليّ من عليائك برضى، وأن ترفع صلاتي وتوبتي إلى الآب السماوي، الذي كنت صورة محبّته في حياتي.

لقد علّمني حبّك كيف أؤمن بنفسي، كيف أطمئن، كيف أتكئ على من يحبّني بصدق. سكبتَ عاطفتك في قلبي، فكان بيننا حوار حقيقي، ومسكنٌ آمن للعلاقة. درّبتني على بناء روابط صحيّة مع الآخر، وزرعت فيّ مناعة في وجه القلق والتوتّر.

كنت سندي. كم اتكأت على صدرك أيامًا وليالي، وما زلت، أتّكئ اليوم على ذكراك في كلّ وجع. أسألك المشورة، فلا تخذلني. ترويني ذكراك كالماء في العطش، ونبض قلبك لا يشبهه أيّ دفء آخر.

كنت، وما زلت، مصدر الحكمة والشجاعة، العطاء والقوّة. كنت تتمنّى لي أن أكون أفضل منك. وأثّرت فيّ عند كلّ مفترق وقرار. قوّيت شخصيّتي، وسندتني في السعي إلى كلّ ما هو صالح.

أرجوك، سامحني إن قصّرت، إن خذلتُ تطلعاتك، إن عرّضتك لأذى أو شتيمة بسببي.

أنت موطني وأماني وأغلى ما في حياتي. اسمك تاجٌ على رأسي، وذكراك مملكتي. نعم، كنت دومًا رمزًا للشهامة والكرم والعطاء، لي ولعائلتنا. أصغيتَ لأفكاري، شاركتني همومي، جعلتني راشدًا منذ صغري. كلماتك كانت بلسمًا ومشجّعة في كلّ حين.

أمّنتَ لنا احتياجاتنا بكرامة دون كلل، غرستَ فينا الطموح، وأعطيت بلا حساب.

خذلتني مرّة واحدة فقط… حين استدعيتني، ولم تنتظرني. رحلت قبل أن أصل.

كنت النور الذي أنار حياتي، والحبّ الذي لا يضاهيه حبّ، إلا حبّ الآب السماوي.

أعطيتنا يا رب وعدًا:
“أكرم أباك وأمك، لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الربّ إلهك” (خروج 20: 12).
فلا تسمح، يا إلهي، أن نكرّم الآباء فقط بعد رحيلهم، بل في حياتهم، في خدمتهم، في عيونهم، في وجوههم التي تسكننا.

أبي، لك في قلبي مقامٌ لا يزول، ومكانة لا تندثر. سأحيا أشتاقك، وأشتاق اللقاء بك، حين يجمعنا الله من جديد.

Comments are closed.