بيرزيت تكرّم مسيرة الأب لويس حزبون


“من لا يحلم لن يصنع شيئًا”… بطريرك القدس يدعو إلى الرجاء رغم شحّ الأمل

في مشهد يفيض بالفرح والامتنان والتأمل الروحي، احتفلت كنيسة العذراء سلطانة السلام في بلدة بيرزيت، شمال رام الله، باليوبيل الذهبي الكهنوتي للأب الدكتور لويس حزبون، الذي قضى خمسين عامًا في خدمة الإيمان والتعليم والرعاية، إلى جانب مرور نصف قرن على تدشين الكنيسة التي غدت معبرًا حيًا عن حضور الجماعة وصلابتها الروحية. كما شمل الاحتفال يوبيلات عدد من الأزواج والعائلات التي أسّست بيوتها على الإيمان والمحبة.
القداس الاحتفالي ترأسه غبطة الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، بمشاركة لفيف من الأساقفة والكهنة والراهبات، وحضور رسمي وشعبي واسع ضمّ شخصيات من بيرزيت ومحيطها، إلى جانب أبناء الرعية، الذين امتلأت بهم أروقة الكنيسة، في لوحة جامعة للروح والإرث والوفاء.
بطريرك القدس
وقال الكاردينال بيتسابالا في كرزته خلال القداس إن الكنيسة ليست جدرانًا من حجر، بل جماعة مؤمنة تنمو معًا بالإيمان والخدمة، واصفًا هذه المناسبة بأنها “احتفال كنسي شامل” يتجاوز الأشخاص ليعبّر عن هوية الجماعة وتاريخها. وأضاف: “نحتفل اليوم بهذه المناسبات الايمانية والعائلية التي جمعت أفراد البلدة على المحبة والصلاة، وهي كلها سنوات يمكن تسميتها بـ’سنوات كتابية’ لأنها تحمل غنى رمزيًا وروحيًا كبيرًا”.
وأشار البطريرك إلى أن الكنيسة، كمكان وجماعة، بحاجة إلى بيت وراعٍ، كما هي العائلة، مضيفًا: “هذه الكنيسة بنيت بالتعب والتضحيات على مدار عشرين عامًا، لتكون بيتًا لجماعة مؤمنة، فيها يتحول القربان الأقدس إلى قلب حي يغذّي الروح والإيمان”.
وفي حديثه عن الكهنوت، شدد الكاردينال على أنه ليس امتيازًا بل مسؤولية ورسالة حياة: “الكاهن هو من يهب حياته للجماعة على مثال المسيح الراعي الصالح. خمسون سنة من كهنوت الأب لويس هي سنوات من العطاء والصبر، من الألم أحيانًا، ومن النعمة والفرح الحقيقي”.
كما توقف الكاردينال عند دور الأب حزبون التربوي والروحي، وقال: “لم تقتصر خدمته على إقامة القداديس، بل شملت التعليم والعمل الثقافي، وتعليم الأطفال تاريخ وطنهم، وربطهم بجذورهم. لقد كرّس حياته لتكون شهادته أوسع من جدران الكنيسة، تمتد إلى المدرسة، والبيت، والمجتمع”.
واستذكر الكاردينال بدايات بناء الكنيسة، وأشاد بدور الأب أنطون بوزّو الذي أطلق نداءً شعبيًا لبنائها حجرًا حجرًا، قائلًا: “ربما بدا الأمر طموحًا كبيرًا حينها، لكنه تحقق لأن الجماعة حلمت وآمنت. واليوم، نحن بحاجة إلى أن نواصل الحلم، خاصة في زمن يبدو فيه الأمل نادرًا. من لا يحلم لن يصنع شيئًا”.
وختم الكاردينال كلمته بشكر باسم البطريركية اللاتينية للأب حزبون، قائلاً: “شكرًا لك على خمسين عامًا من الخدمة والوفاء، على تعبك ومثابرتك وابتسامتك الدائمة. لقد بنيت الكنيسة الحيّة، ونحن نكمل المسيرة التي بدأت بها”.
الأب لويس حزبون
من جهته، ألقى الأب الدكتور لويس حزبون كلمة، عاد فيها إلى جذور دعوته الكهنوتية. وقال: “منذ طفولتي كرّست حياتي لمريم العذراء. كتبت لها وأنا ابن 12 عامًا فقط: ‘أنا كلي لكِ، افعلي بي ما تشائين’. ومنذ ذلك اليوم، بدأت أشعر بأن حياتي تتجه نحو دعوة خاصة”.
واستعاد الأب حزبون ذكرى من طفولته عندما قالت له معلمته في الروضة: “احكي لأمك تحملك سلة، خليك تصير عتّال!”، وأضاف: “قلت في داخلي: يا رب، سأحمل السلة، ولكن لتكن سلتك، سلة يسوع”. ومن هنا، بدأت تتشكل ملامح دعوته الروحية، من خلال مريم العذراء التي قدّمته ليسوع.
وأشار الأب حزبون إلى أن كنيسته في بيرزيت هي ثمرة إيمان جماعي، وليست مجرد بناء. وذكّر بكيفية بدء بناء الكنيسة بمبادرة من الأب بوزّو، الذي دعا أبناء البلدة للمساهمة كل حسب طاقته.
وأضاف: “هذه الكنيسة هي مجمع إيماني عالمي. لقد استقبلت مئات الحجاج من مختلف الدول، من تركوا صلواتهم ووعودهم هنا، وقالوا لنا إنهم سيصلّون من أجل هذه الجماعة”.
وختم كلمته بالقول: “كنيسة العذراء سلطانة السلام هي حقًا باب السماء. أشكر الرب على هذه المسيرة، وأشكر كل من رافقني في دربي، من أفراد العائلة والجماعة والكنيسة”.
وفي ختام القداس، قدّم الحضور التهاني للأب لويس بمناسبة يوبيله الذهبي، قبل أن تُقام مأدبة عشاء تكريمية، ألقيت خلالها كلمات أشادت بمسيرته الروحية والتعليمية. كما أحيت فرقة “زغرودة” للفنون والتراث الفلكلوري من بيرزيت الأمسية بعروض مميزة، ارتدت فيها السيدات الأثواب الفلسطينية المطرزة وسط تفاعل كبير من الحضور.

بيرزيت – “نبض الحياة” – سند ساحلية

Comments are closed.