نثق بكلامك يا ربّ بقلم الأب الياس كرم

في عيد القدّيسين الأنطاكيّين، ارتقى شهداء جدد على مذبح الكنيسة الأرثوذكسيّة في دمشق، ضحايا تفجيرٍ انتحاريّ أدمى الجدران وزلزل القلوب.

كتب على مشرقنا أن يبقى فريسة للتطرّف الأعمى، لكن الحقيقة الأثبت من الموت نفسه، أن الشهادة للمسيح لم تنقطع يومًا عن هذه الأرض، بل تُدفع على مرّ الأجيال دمًا حيًّا، فيرتقي أبناء الكنيسة إلى مصاف القدّيسين، لأنهم قُدّموا ذبائح بريئة على مذابح كنائسهم، فصاروا بخورًا سماويًّا وصلاةً حارّة ترفع وجه الوطن إلى الله.

إنطاكية العظمى، إنطاكية إغناطيوس المتوشّح بالله، ويوحنّا الذهبيّ الفم، وأفرام وإسحق السريانيّين، إنطاكية مارون الناسك ويوحنّا الدمشقيّ، إنطاكية يوسف وحبيب ونقولا الدمشقيّين الشهداء، افرحي واهتُزّي طربًا اليوم، فقد ضمّ إليكِ الربّ صفوف شهداء جدد، طالتهم يد الغدر، وسيوف الحقد، وعمى التعصّب الموجّه من أنظمة متواطئة، ومدعوم من دول تتشدّق بالسلام والعدالة.

يا نبيّ الله إيليّا، ها هم كهنة البعل يقتحمون مذبحك مرّة أخرى، ويدنّسون بيتك المقدّس. بعضنا يناديك أن تنهض وتُشهر سيفك كما فعلت قديمًا، والبعض الآخر يرجوك أن تسامح كما سامح الربّ يسوع صالبيه. لكنّ صراخ الأرض بلغ عنان السماء، والسكوت عن هذه الجريمة هو جريمة أكبر، والصمت عن مسبّبيها، والمتواطئين عليها، خطيئةٌ تنضح من أفواه المزيّفين.

أين الضمير العالمي؟
أين صوت الحق؟
أين هي الدول التي تدّعي المسيحيّة؟
أين الأصوات التي تنادي بالعدل؟
أين الشعوب التي تبغي السلام؟
لم يبقَ من هذه الشعارات سوى كلمات جوفاء، وبيانات استنكارٍ لا تُطعم جائعًا، ولا تُحيي شهيدًا.

قلبي مفطور، وعيني دامعة، على كلّ بريءٍ يُقتل، مهما كان دينه أو طائفته، فكم بالحري إذا كانت الشهادة في قلب الكنيسة، وأثناء تقدمة الذبيحة الإلهيّة؟!

يا ربّ، لا تتركنا. لا تتخلّ عنّا. ارحمنا بعظيم رحمتك.
لقد قلتَ:
“سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِ” (يوحنّا 16: 2).

أنقذنا من هذا الطوفان الدمويّ.
عالمٌ يدّعي المسيحيّة، لكنّ قلبه يحكمه الفريسيّون والصدّوقيّون الجدد.
عالمٌ يشنّ حروبه لحماية هيرودس، وكأنّ التاريخ يعيد خيانته.
كم من عميلٍ لهيرودس ما زال يعتمر تاج السلطة، ويتستّر بثياب الدين؟
والساكت عن الجريمة… شيطانٌ أخرس.

يا ربّ، ليس لنا من ملجأٍ سواك.
احفظ الذين يلتجئون إليك،
وانقذنا من كل شرّ،
احمِ إنطاكيّتك، تلك التي فيها “دُعِيَ التَّلاَمِيذُ مَسِيحِيِّينَ أَوَّلًا” (أعمال 11: 26)،
أبعد عنّا الأعداء، المنظورين منهم وغير المنظورين،
وهب لنا سلامك، ولا شيء نبتغي سوى رضاك.

نثق بكلامك يا ربّ:
“قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ” (يوحنّا 16: 33).

بدماء شهدائنا الأبرار، سيحلّ عدلك وسلامك، يا ربّ،
وستزهر الكنيسة من جديد، لأنّك تقبلهم:
“كذبيحةٍ محرقةٍ، محصّهم كالذهب في البودقة، ووجدتهم أهلًا لك” (حكمة 3: 6).

فليعلم الجميع، أن المسيحيّين في هذا الشرق، مهما تضآل عددهم،
هم باقون، ملح الأرض ونور العالم.
الله نحتهم بإصبعه ليكونوا قدوةً في الاحتمال،
جنودًا صالحين في جنده،
لا ترهبهم الصعاب،
ولا ينكسر فيهم الإيمان والرجاء والمحبة،
لأنّ الراعي وعد:
“أبواب الجحيم لن تقوى على كنيسته”.

آمين.

Comments are closed.