بالكيلِ الذي به تَكيلونَ يُكالُ لكم بقلم القس سامر عازر

في هذه الكلمات من إنجيل لوقا البشير (لو ٣٨:٦) لا نسمع مجرد وصيّة إنجيلية أخلاقية تدعونا للعدل، بل نُستوقف أمام ناموس روحي هام.

فالكيل هنا ليس أداة وزن مادية، بل هو موقف وجوديّ يكشف عن جوهر الإنسان، ويُظهر حالةَ قلبه. والسيد المسيح لا يقدّم تعليمه هذا كنوع من تبادل المعاملة، بل كإعلان عن قانون روحي يربط ما بين طريقة تعاملنا مع الآخرين كإنعكاسٍ لإنفتاحنا على النعمة الإلهية وتجاوبنا معها. فبقدر ما نسمح للنعمة الإلهية أن تعمل فينا بقدر ما ينعكس ذلك في تعاملنا مع الآخرين، فيكون الكيل الذي نستخدمه، سواء أكان كَيْلْ رحمة أو دينونة، هو في الحقيقة الكأس التي بها شربنا نحن من محبة الله أو من بُعدنا عنه.

والله لا يُكافئنا بمكيالنا كنوع من الحساب، بل يسمح لنا أن نتشكّل بحسب المكيال الذي اخترناه. فمن يَكيل بالرحمة، فإنَّ قلبه قد اتسع من رحمة الله، ومن يَكيل بالقسوة، فإن قلبه قد ضاق من رحمة الله رغم اتساعها. فالمكيال ليس مجرد أداة خارجية، بل هو الكيان البشري نفسه، والسيد المسيح يطلب أن يُطهَّرَ هذا الكيان من الإزدواجية، من العمى، ومن الرياء، ليكون شفافًا على صورته.

وقد لخّص القديس يوحنا الذهبي الفم هذا التعليم حين قال: “كما تُعامل الآخرين، هكذا تُعامَل. إن أعطيت رحمة، نلت رحمة. وإن زرعت إدانة، حصدت دينونة. فاجعل نفسك ميزانًا عادلاً، حتى يراك الله مستحقًا لمحبته.”

إن ما نتعامل به مع الناس، يعكس شخصيتنا الروحية أمام الله. فالله لا يتعامل معنا على أساس ما فعلنا فقط، بل على أساس ما أصبحنا عليه من فيض نعمته علينا. من هنا جاءت صورة القذى والخشبة: فمن يدين غيره دون أن يرى نفسه، لا يملك فقط مكيالًا مزدوجًا، بل يعيش في عمى داخلي يجعله غير قادر على تمييز النور من الظلام، والحقيقة من التصنّع.

لذلك، من الضروري جدا أن نقف بصدق أمام هذه الحقيقة، ونسمح لها أن تفتح أعيننا على ذواتنا قبل الآخرين فنرى الخشبة في أعيننا قبل أن نرى القذى في عيون الآخرين، فننقّي مكيالنا من الرياء، ومن تبوّئنا دورا هو ليس لنا، لا بل أن نجعل حياتنا مملوءًة بالرحمة تجاه الآخرين، وبالاتساع، وبالإحتمال، وبالمغفرة. حينها فقط نكون قابلين لأن نُكال بكيل الله لا بكيلنا، وأن نعيش في حضوره لا في أوهام ذواتنا.

Comments are closed.