الحشمه بقلم الأب الياس كرم

الحشمة فضيلة جوهرية في الحياة المسيحيّة، تنعكس في المظهر الخارجي كما في السلوك الداخلي. تدعونا إلى تجنّب كل ما يثير الشهوات أو يعرّض الآخرين للعثرات، لأنها تعبّر عن احترام الجسد الذي هو هيكلٌ للروح القدس، كما جاء في الكتاب المقدس:

“أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله، وأنكم لستم لأنفسكم؟” (١ كورنثوس ٦: ١٩).

المسيحي مدعو ليكون شاهدًا للمسيح في العالم، من خلال سلوكه اليومي، لا بمظهره فقط.
وإن لم أكن مؤدبًا للناس ولا ديّانًا لهم، فإن إيماني وتربيتي العائلية والأخلاقية تحملني لأكتب هذه الكلمات بوجع، في زمنٍ يبدو فيه أن الحشمة أصبحت غريبة.

لم تعد قلّة الاحتشام حكرًا على النساء، بل باتت أيضًا ظاهرة منتشرة بين الرجال، إذ اختلطت المعايير، وتحوّل السعي إلى إثارة الأنظار إلى نمط عيش.
في صغري، كانت والدتي توجهنا كل مساء سبت لاختيار ملابس لائقة بقدّاس الأحد. لم يكن ذلك تشددًا، بل احترامًا للمقدّس. اليوم، نادراً ما نرى هذا الاهتمام، وكأن الناس فقدوا الشعور بجلال المكان والمناسبة.

المؤلم أكثر هو ما نشهده في الكنائس من مظاهر غير لائقة، سواء في الأعراس أو حتى في الجنازات، وكأن البعض لا يفرّق بين دخول بيت الله وذهابهم إلى أماكن اللهو.
هذا التهاون لا يُعدّ حرية شخصية فقط، بل يمكن أن يتحوّل إلى عثرة للآخرين،
“ويلٌ لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة!” (متى ١٨: ٧).

الحشمة لا تختصر باللباس، بل تشمل الفكر والسلوك واحترام الآخر. إنها تعكس التواضع والوقار، وتُظهر اتزان النفس. من تحلّى بها، لا يعيش ازدواجيّة، بل وحدة داخلية تُترجم في كل مكان وزمان.

لقد تعلّمنا في بيوتنا ومدارسنا وكنائسنا أن الحشمة سلوك نابع من الحياء والاحترام. تشمل اللباس اللائق، والاعتدال في الزينة، والرزانة في التصرّف. المحتشم لا يلفت النظر، بل يرفع مقامه ومقام من حوله بسلوكه المهذّب.

فلنتذكّر دائمًا أن الحشمة ليست شكليّة، بل جزءٌ من إيماننا، ووجهٌ من أوجه العبادة. إنها تحمي الإنسان من الانزلاق، والمجتمع من الفساد، وتُعزّز القيم التي تُصون الكرامة.
كما يقول المثل: “الحشمة حكمة”؛ فمن يتحلّى بها، يتحلّى بالرشد.

فلنجعل من كل مقامٍ مقالًا، ونعيش بحكمةٍ ووقار، لنُجسّد حضور المسيح في حياتنا، والسلام.

Comments are closed.