“فرحة العمر” بقلم الأب الياس كرم
مع كلّ صيف، تتجدّد أفراح الأحبّاء والأصدقاء، حيث تكثر الأعراس، وتُزفّ القلوب قبل العرائس. هي مناسبة ينتظرها القريب والبعيد، ويتهيّأ لها العروسان منذ أشهر، بل أحيانًا منذ عام أو أكثر، لأنها في نظر الكثيرين “فرحة العمر”.
ومع أن التحضيرات للزفاف تترافق أحيانًا مع بعض التوتر، إلا أن الفرحة تطغى في النهاية، وتُنسي كل
غير أن ما لفتني، منذ أن كرّست حياتي لخدمة الأسرار المقدّسة، لاسيما سرّي الزواج والمعمودية، هو التركيز المُفرط على الجانب الاحتفالي للزفاف، من زينة وأناقة وسهرات، في مقابل إهمال المعنى الروحي العميق لهذا السرّ، الذي هو أولًا وأخيرًا نعمة من الله ومباركة لحياة جديدة.
في هذا السياق، يُلاحظ تنصّل العديد من المقبلين على الزواج من المشاركة في دورات الإعداد الزوجي التي تعتمدها معظم الكنائس، أو مشاركتهم فيها بتحفّظ. وتُعدّ هذه الدورات، في نظر الكنيسة، أمرًا جوهريًا وأساسيًا، إذ تعكس رؤيتها وتعليمها الرعائي حول الزواج والعائلة، وتضع الأسس لحياة زوجيّة متينة ومباركة، تُثمر عائلة سليمة تنمو في حضن الرب.
للأسف، يُهمل البعض هذه الدورات لانشغالهم بترتيبات الزفاف الدنيوية من فساتين، وسهرات وتصوير ورحلات شهر العسل… فتصبح الصلاة ثانوية، لا بل مكملة فقط للمناسبة، لا جوهرها.
دورات الإعداد للزواج ليست عبئًا، بل هي نعمة وفرصة للتأمل والوضوح، وللتأسيس على صخرة صلبة.
فعلى سبيل المثال، يقدم مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجي في أبرشية جبل لبنان للروم الأرثوذكس برنامجًا متكاملاً يرتكز على أربعة مواضيع رئيسية:
١. الإعداد العملي للزواج
يُسلّط هذا المحور الضوء على تفاصيل حياتية غالبًا ما تُهمل في خضم الانشغال بالتحضيرات السطحية. يدعو إلى المصارحة والانفتاح بين الخطيبين بصدق، ويقسّمه المركز إلى ستة “أجران”، استلهامًا من أجران عرس قانا الجليل، وهي: جرن الواقع،
وجرن العاطفة، وجرن التهيئة النفسيّة، والجرن المادي، والجرن الرسمي، والجرن الروحي.
كلّ جرن منها يكشف جانبًا من جوانب الاستعداد الحقيقي للشراكة الزوجية.
٢. الأبعاد النفسية والعاطفية والاجتماعية والجنسية
يتناول هذا المحور مقوّمات الانسجام بين الزوجين، ويُساعد على فهم الحاجات النفسية والعاطفية والجسدية المتبادلة، لبناء علاقة متوازنة وصحيّة.
٣. الحوار الفعّال وحلّ الخلافات
يُركّز على مهارات التواصل، فن الإصغاء، والقدرة على حلّ النزاعات بطريقة ترضي الطرفين. كما يقدّم وسائل عملية لتخطّي الغضب وتحويل الاختلافات إلى فرص لتعميق العلاقة، لا أسبابًا للخلاف.
٤. الزواج الكنسي ولاهوتُه بين الواقع والسرّ
يستعرض هذا المحور البعد اللاهوتي والروحي للزواج، من خلال دراسة تاريخية وشرح ليتورجي معمّق لسرّ الزواج في الكنيسة الأرثوذكسية. يُبيّن كيف أن المسيح قد قدّس الزواج ورفعه من مجرّد عقد اجتماعي إلى اتحاد مقدّس “في الرب”، محاط بالمجد والنعمة.
العديد من المشاركين الجديّين في هذه الدورات اكتشفوا جوانب في علاقتهم لم يكونوا على دراية بها، فإما قرّروا التوقّف ومراجعة المسار، أو تعمّقوا أكثر في قدسية هذا السرّ، فكان زواجهم أكثر رسوخًا وثباتًا، ببركة الله.
إنّ “شهر العسل” الحقيقي، لا ينتهي بعد بضعة أسابيع، بل يمكنه أن يدوم عمرًا كاملًا، إن سار الزوجان معًا بمعيّة الرب، وحملا صليب الحياة بفرح، وإيمان، ورجاء، ومحبة. عندها فقط، يصبح زواجهما مكلّلًا بالمجد والكرامة، ويغدو عرسهما امتدادًا لعرس الملكوت.
Comments are closed.