عمل إرادة الآب السماوي بقلم القس سامر عازر

يضعنا السيد المسيح في إنجيل متى أمام مثل الإبنين (مت ٢١: ٢٨-٣٢)، حيث يطلب الأب من ابنيه أن يذهبا للعمل في كرمه. الأول رفض في البداية، لكنه عاد وذهب. أما الثاني، فوافق بالكلام لكنه لم يفعل. فيسأل المسيح: «فمن من الاثنين عمل إرادة أبيه؟» ويجيب السامعون: «الأول». عندها يفتح المسيح أعيننا على أن إرادة الله ليست في الكلام أو الادعاء، بل في الطاعة العملية والالتزام الحق.

إرادة الآب السماوي تتجسد في أن ندخل إلى كرمه، أي إلى عالمه حيث أوصانا أن نكون شهودًا للحق وخدامًا للعدل. حقل الرب ليس مجرد أرض للزراعة، بل هو حياة البشر، هو المجتمع، هو كل مكان يُنتهك فيه الحق وتُداس فيه كرامة الإنسان. الدخول إلى الحقل يعني الالتزام برسالة الإنجيل التي تدعونا أن نكون صوتًا للحق في عالم يضج بالكذب، وأن نكون سندًا للمظلوم في واقع يغرق في الظلم.

إرادة الله ليست مشروطة بأن نحمل اسمًا أو نرفع شعارًا أو نمارس طقوسًا شكلية، بل أن نعيش الإنجيل واقعًا ملموسًا. أن نعمل في كرمه يعني أن نزرع قيم الرحمة والعدالة، وأن نواجه قوى الفساد والاستغلال التي تُفقِد الإنسان إنسانيته. فالذي يتغافل عن آلام المظلومين أو يصمت أمام انتهاك الكرامة الإنسانية، لا يختلف عن الابن الذي قال “نعم” لكنه لم يذهب.

ملكوت السماوات ليس وعدًا بعيدًا مؤجلًا إلى ما بعد الموت، بل هو واقع يُبنى اليوم على الأرض حيث تُحترم العدالة ويُصان الحق وتُحفظ كرامة الإنسان التي ختمها الله بصورته ومثاله. ومن لا يلتزم بعمل إرادة الله – أي بالعدل والرحمة والحق – لن يجد له مكانًا في ملكوت السماوات مهما كانت ألقابه أو مظاهره الدينية.

إرادة الآب السماوي إذن هي أن نكون أبناءً عاملين لا أبناءً متقاعسين. أبناء يعرفون أن الإيمان الحق هو فعلٌ لا قول، وعملٌ لا ادعاء. أن نعمل في حقل الرب هو أن نقف بوجه الظلم، ونرفض الإذلال، ونقاوم كل محاولة لانتهاك صورة الله في الإنسان. فمن يعمل إرادة أبيه هو الذي يتجسد فيه قول المسيح: «تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم» (متى ٢٥: ٣٤).

وكما قال القديس يوحنا الذهبي الفم: “ليس ما نعلنه بشفاهنا هو الذي يبررنا، بل ما نصنعه بأعمالنا. فالمسيح لا يسألنا ماذا قلنا، بل ماذا عملنا.”

Comments are closed.