عالم لا يسمع ولا يتكلم بقلم القس سامر عازر
نقرأ في إنجيل مرقس (٧: ٣١-٣٧) عن ذاك الأصم الأعقد الذي أُتي به إلى المسيح. لم يستطع أن يسمع صوتَ الحياة، ولا أن يعبّرَ بكلمةٍ عن ذاته، فكان أسيراً في صمتٍ وظلامٍ داخلي. المسيح، وقد وضع أصابعه في أذنيه، وتفل ولمس لسانه، ثم رفع نظره إلى السماء وتنهد قائلاً: “افتح”، فانفتحت أذناه وانحل رباط لسانه، فتكلم مستقيماً. هذه ليست مجرد معجزة جسدية، بل إعلان لسرّ الخلاص: أن المسيح جاء ليفتح آذان البشر على كلمة الحق، ويطلق ألسنتهم لتشهد بالحق والاستقامة.عالمنا اليوم يشبه هذا الرجل الأصم الأعقد. إنه عالم يسمع ضجيجاً لا ينتهي من أصوات المصالح، والأنانيات، والغرائز، لكنه لا يسمع أنين الحقيقة، ولا صرخة المستضعفين، ولا صوت الله في أعماق القلب. وحتى إن سمع، فإنه يتجاسر على الصمت، يخشى أن يرفع صوته بكلمة الحق. لقد أصبح كثيرون أسرى في سجون الصمت، فلا يسمعون ما يجب أن يُسمع، ولا ينطقون بما يجب أن يُقال.المسيح وضع إصبعه على المشكلة: الأذن التي لا تصغي، واللسان الذي لا يشهد. هو وحده القادر أن يفتح آذاننا على صوت الله الحي، وأن يحرر ألسنتنا من قيود الخوف والتواطؤ. فالاستقامة ليست مجرد فضيلة فردية، بل هي فعل لاهوتي يتجلى حينما يعلن الإنسان، بجرأة ووضوح، الكلمة التي من فوق.رسالتنا اليوم أن نصغي إلى أنين العالم. أن نسمع دموع الفقراء، وصراخ المظلومين، وتنهيدات الخليقة التي تئنّ وتتمخض بانتظار الحرية. وأن نستخدم سلاح الكلمة، لا الكلمة المفرغة من القوة، بل الكلمة التي تستمد حياتها من الكلمة الأزلي، اللوغوس، الذي صار جسداً وحلّ بيننا. فالكلمة المسيحية هي شهادة للحق، وصوت للعدالة، ونداء للسلام.وقد عبّر القديس أفرام السرياني عن هذا البعد العميق للمعجزة قائلاً: “كما أن الأصم لم يسمع حتى فتح المسيح أذنيه، هكذا الإنسان لا يسمع كلمة الحياة ما لم يفتح المسيح قلبه. وكما أن الأعقد لم ينطق حتى لمس الرب لسانه، هكذا لا يستطيع إنسان أن يشهد بالحق ما لم يلمسه الروح القدس.” وهكذا، فالمسيح وحده هو الذي يحوّل صمتنا إلى شهادة، وخوفنا إلى جرأة، ويفتح لنا أبواب السماع والنطق بالحق، حتى نستطيع أن نردد مع الجموع بفرح: “جعل كل شيء حسناً. جعل الصم يسمعون والخرس يتكلمون.”
 
			 
											
Comments are closed.