البطريرك بييرباتيستا : إن حل الدولتين يبقى الحل الأنسب والمثالي


أجرت المجلة الأسبوعية L’Azione التابعة لأبرشية فيتوريو فينيتو الإيطالية مقابلة مع بطريرك القدس للاتين الكاردينال بيرباتيستا بيتسابالا تطرق خلالها إلى الأوضاع الراهنة في غزة، وفي فلسطين عموما.

وقد كان من المرتقب أن يأتي غبطته إلى إيطاليا ليشارك في الفعاليات اليوبيلية التي تجري من التاسع عشر وحتى الحادي والعشرين من الجاري في المزار المريمي ببلدة موتّا دي ليفينسا، لكنه قرر البقاء في المنطقة نظراً للأوضاع الراهنة.
استهل نيافته حديثه مشيرا إلى أنه ارتأى ألا يغادر الأرض المقدسة في الوقت الراهن إزاء ما يجري في غزة، كما في الضفة الغربية، وقال إن الناس يريدون أن يعرفوا أنه موجود إلى جانبهم، وبالتالي لم يسمح له ضميره أن يغادر، فقرر إلغاء سفره إلى إيطاليا.

بعدها لفت بيتسابالا إلى أنه يلمس شعوراً بالإحباط والاستسلام حيال الأوضاع الراهنة، كما سبق أن قال في أكثر من مناسبة. وهو يحاول أن يحافظ على الهدوء والطمأنينة، ويدرك أنه من الأهمية بمكان ألا ينحاز مع طرف ضد طرف آخر، مع العلم أن ما يجري ولد استقطاباً شديدا، لافتا إلى أن الأحداث التي تشهدها المنطقة هي غاية في الخطورة وهي بعيدة عن المنطق البشري، وقال إنه لا يفهم كيف يمكن القبول بما يحصل، معرباً عن ألمه حيال الكم الهائل من الحقد الذي ولّده الوضع، والذي يُبعدنا أكثر فأكثر عن إمكانية مداواة الجراح وحل الصراع.

ردا على سؤال بشأن الأنباء الحاكية عن بروباغاندا تقوم بها حركة حماس، بشأن الدمار والجوع والموت، والتي لا تتناسب مع الواقع، كما تؤكد بعض وسائل الإعلام المقربة من إسرائيل، قال غبطته إنه من الواضح أن الواقع ليس “أبيض أو أسود”، لأن ثمة استغلالا للأحداث، ومن البديهي أن لإسرائيل أسبابها، لكن هذه الأسباب لا يمكن أن تبرر إطلاقاً ما يجري في غزة. ولفت إلى انعدام التناسب بين ما حصل في السابع من أكتوبر تشرين الأول ٢٠٢٣ والرد الإسرائيلي على تلك الهجمات. وقال إن هذا الأمر واضح بالنسبة للجميع ولا يمكن السكوت عنه، مشيراً إلى أن الموقف الذي اتخذه كان مكلفاً جداً على صعيد العلاقات والصداقات، لكن لم يستطع السكوت إزاء ما يجري في القطاع.

بعدها سُئل بطريرك القدس للاتين عما إذا كان حلّ الدولتين ما يزال ممكنا اليوم، وقال إن هذا الاقتراح قد يتحول إلى مجرد شعار، لكنه يبقى ضرورياً. واعتبر أنه يتعين علينا أن نكون مبدعين كي نتوصل إلى حلول من أجل المستقبل، لأن أي حل سيتطلب وقتا طويلاً جداً ويحتاج إلى سياق ثقافي ملائم وإلى قبول من جانب الرأي العام. وأضاف أنه علينا أن نعمل جدياً على خلق الظروف المناسبة للمستقبل، قائلا إن حل الشعبين والدولتين يبدو اليوم إمكانية بعيدة المنال، لكنه يبقى الحل الأنسب والمثالي.

فيما يتعلق بالاعتراف بدولة فلسطين، قال غبطته إن الكنيسة الكاثوليكية فعلت ذلك منذ فترة طويلة، وهي مبادرة هامة، لأن الفلسطينيين يحتاجون إلى دعم إنساني وإلى الاعتراف بكرامتهم كشعب ويطالبون بأن يُعترف بهم كدولة، مع أن لا أحد يمكنه أن يعرف متى سيتحقق هذا الأمر.

هذا ثم شدد البطريرك بيتسابالا، في حديثه إلى المجلة الأسبوعية الإيطالية، على ضرورة التمييز بين الحكومة الإسرائيلية والشعب اليهودي والمجتمع الإسرائيلي. وقال إن الشعب اليهودي يرى في دولة إسرائيل مرجعاً هاماً له، لكن ليس من الضروري أن يتماهى دائما مع الدولة. كما أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تمثّل جميع المواطنين الإسرائيليين ولا الشعب اليهودي بأسره. ولفت غبطته في هذا السياق إلى وجود تظاهرات قوية ضد الحكومة، ما يدل على أن ثمة انقساماً داخل المجتمع الإسرائيلي بشأن الحرب والحكومة ومسألة الرهائن أيضا. وبالتي لا يسعنا أن نعمم لأن هذا الأمر يسيء إلى طرف أو آخر.

في معرض إجابته على سؤال بشأن ما يمكن أن يفعله الغرب، كي لا يبقى واقفاً مكتوف اليدين، قال بيتسابالا إنه من الأهمية بمكان أن نصلّي، وأن ننظم لقاءات جماعية للصلاة، لأن التضامن بواسطة الصلاة مسألة مهمة جدا، خصوصا في وقت تقترب فيه الذكرى السنوية الثانية لأحداث السابع من تشرين الأول أكتوبر. ورأى أن المؤمنين مدعوون إلى اعتماد نظرة الإيمان، عندما يجدون أنفسهم أمام أوضاع يصعب فهمها، كالألم والمعاناة والظلم. كما لا بد ألا يتحولوا إلى أداة لنشر لغة الحقد، إذ يتعين عليهم الرسوخ في الكلمة التي تنقذ الإنسان وتفتح الآفاق، تبني ولا تدمّر.

وأشار غبطته بعدها إلى الدور الهام الواجب أن تلعبه على هذا الصعيد وسائل الإعلام، التي يمكن أن تستخدم سردية سلبية أو إيجابية. وذكّر بما قاله الرب الإله لإسرائيل في سفر التثنية “أنا أضع أمامك البركة واللعنة، الموتَ والحياة، كي تختار الحياة”. من هذا المنطلق يتعين علينا نحن اليوم أيضا أن نعي ضرورة اختيار البركة والحياة، وأن نعززهما أيضا من خلال أفعالنا وأقوالنا.

في ختام المقابلة الصحفية سُئل بطريرك القدس للاتين عما يمكن أن تفعله السياسة في الغرب، لاسيما في إيطاليا، من أجل إحداث تحوّل في المنطقة، وأجاب قائلا إن السياسة أظهرت جلياً ضعفها خلال الفترة الماضية، وأظهرت شللاً يضرب المؤسسات السياسية المحلية والدولية وتلك المتعددة الأقطاب، وهذا الواقع ليس مختلفاً تماماً فيما يتعلق بالمؤسسات الدينية.
واعتبر البطريرك بيتسابالا أنه آن الأوان اليوم لإفساح المجال أمام دور المجتمع المدني، لأنه يتعين علينا أن نعمل مع المجتمع المدني ونخاطبه.

Comments are closed.