في ختام عظته مترئسًا القداس الإلهي في افتتاح الدورة الثانية للجمعية العامة العادية السادسة عشر لسينودس الأساقفة حول السينودسية وجه البابا فرنسيس نداء دعا فيه المؤمنين لكي يعيشوا يوم ٧ تشرين الأول أكتوبر، يوم صلاة وصوم من أجل السلام في العالم
بمناسبة افتتاح الدورة الثانية للجمعية العامة العادية السادسة عشر لسينودس الأساقفة حول السينودسية ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء القداس الإلهي في ساحة القديس بطرس وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها نحتفل بهذه الإفخارستيا في عيد الملائكة الحراس، بينما نفتح مجدّدًا الجمعيّة العامة لسينودس الأساقفة. بالإصغاء إلى ما تقترحه علينا كلمة الله، يمكننا أن نستلهم ثلاث صور لتأملنا: الصوت، الملجأ، والطفل.
تابع البابا فرنسيس يقول الصوت: في المسيرة نحو أرض الميعاد، أوصى الله الشعب أن يصغي إلى “صوت الملاك” الذي أرسله. إنها صورة تلمسنا عن قرب، لأن السينودس هو أيضًا مسيرة، يضع فيها الرب بين أيدينا تاريخ، وأحلام، وآمال شعب عظيم: إخوة وأخوات ينتشرون في جميع أنحاء العالم، يحرّكهم إيماننا عينه، وتحركهم الرغبة في القداسة عينها، لكي نبحث معهم ومن أجلهم عن الدرب الذي يجب علينا أن نسلكه لكي نصل إلى حيث يريد الرب أن يقودنا. ولكن كيف يمكننا أن نضع أنفسنا في إصغاء إلى “صوت الملاك”؟
أضاف الأب الأقدس يقول إحدى الطرق بالتأكيد هي الاقتراب باحترام وانتباه، في الصلاة وبنور كلمة الله، إلى جميع المساهمات التي جُمعت على مدى ثلاث سنوات من العمل الجاد، والمشاركة، والمناقشة، والجهد الصبور لتنقية العقل والقلب. يتعلق الأمر، بمساعدة الروح القدس، بالإصغاء إلى الأصوات وفهمها، أي إلى الأفكار، والانتظارات، الاقتراحات، لكي نميز معًا صوت الله الذي يتحدث إلى الكنيسة. وكما ذكرنا مرارًا، نحن لسنا برلمانًا، وإنما مكان إصغاء في الشركة، حيث، كما يقول القديس غريغوريوس الكبير، ما يملكه أحدهم جزئيًا، يُكمَّل في الآخر، وعلى الرغم من أن البعض يمتلكون مواهب خاصة، إلا أنَّ كل شيء يعود إلى الإخوة في “محبة الروح”.
تابع الحبر الأعظم يقول ولكن لكي يحدث ذلك، هناك شرط: أن نتحرر مما قد يعيق فينا وبيننا “محبة الروح” من خلق الانسجام في التنوع. لا يمكنه أن يسمع صوت الرب من يدعي بغطرسة ويفترض أنه يمتلكه حصريًا. ولكن علينا أن نقبل كل كلمة بامتنان وبساطة، لكي نكون صدى لما منحنا الله إياه من أجل خير الإخوة. على أرض الواقع، لنتجنب أن نحوِّل مساهماتنا إلى نقاط نصر ندافع عنها أو أجندات نفرضها، وإنما لنقدمها كعطايا نتشاركها، مستعدين أيضًا لأن نضحّي بما هو خاص، إذا كان ذلك يمكنه أن يساعد في أن نولِّد شيئًا جديدًا معًا وفقًا لمشروع الله. وإلا، فسينتهي بنا الأمر بالانغلاق في حوارات بين الصم، يسعى فيها كل واحد “لجذب الماء إلى طاحونه” بدون أن يصغي إلى الآخرين، ولاسيما بدون أن يُصغي إلى صوت الرب. إنَّ حلول المشاكل التي علينا مواجهتها ليست لدينا، بل لديه، ولنتذكر أن الصحراء ليست مكانًا للعب: إذا لم ننتبه إلى المرشد، واعتقدنا أنه بمقدورنا أن نكفي أنفسنا، قد نموت من الجوع والعطش ونجرّ معنا الآخرين أيضًا. لنضع أنفسنا إذن في الإصغاء إلى صوت الله وصوت ملاكه، إذا كنا نريد حقًا أن نتقدم بأمان في مسيرتنا رغم الحدود والصعوبات.
أضاف الأب الأقدس يقول وهذا يقودنا إلى الصورة الثانية: الملجأ. إن الرمز هو رمز الأجنحة التي تحمي: “تحت أجنحته وحقِّه يكون لك ترسا ودرعًا”. الأجنحة هي أدوات قوية، قادرة على أن ترفع الجسد عن الأرض بحركاتها القوية. ولكن، على الرغم من قوتها، يمكنها أيضًا أن تنزل وتطوى لتصبح درعًا وعشًا دافئًا يحتضن الصغار الذين يحتاجون إلى الدفء والحماية. وهذا رمز لما يفعله الله من أجلنا، ولكنه أيضًا نموذج علينا اتباعه، لاسيما في هذه الجمعية العامة. يوجد بيننا، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، الكثير من الأشخاص الأقوياء، المتعلمين، القادرين على التحليق عاليًا بحركات قوية من التأملات والأفكار البارعة. هذا كله يمثل غنى يحفزنا ويدفعنا ويجبرنا أحيانًا على التفكير بطريقة أكثر انفتاحًا وعلى المضي قدمًا بحزم، كما أنه يساعدنا على البقاء ثابتين في الإيمان حتى أمام التحديات والصعوبات. ولكن هذا هو عطيّة يجب أن تقترن، في الوقت المناسب، بقدرة على الاسترخاء والانحناء، لنقدّم لبعضنا البعض عناقًا دافئًا ومكانًا آمنًا: لكي نكون، كما قال القديس بولس السادس، “بيتًا […] من الإخوة، ورشة عمل ذات نشاط مكثف، وعليّة روحانية مُتَّقدة”.
تابع الحبر الأعظم يقول كل واحد هنا سيشعر بحرية التعبير بشكل تلقائي وحُر بقدر ما سيشعر بوجود أصدقاء من حوله يحبونه ويحترمونه ويقدرون ما لديه ويرغبون في الاصغاء إلى ما يريد قوله. وهذا بالنسبة لنا ليس مجرد تقنية “لتسهيل” الحوار أو ديناميكية تواصل جماعي: ولكن المعانقة والحماية، والعناية، جميع هذه الأمور هي جزء من طبيعة الكنيسة، التي تُدعى لتكون مكانًا مضيافًا يجمع الجميع، “تتطلّب فيه المحبة المجمعية تناغمًا كاملًا، تولد منه قوتها الأخلاقية، جمالها الروحي، وكونها مثالاً يُحتذى به”. تحتاج الكنيسة إلى “أماكن مسالمة ومنفتحة”، علينا أن نخلقها أولاً في القلوب، ويشعر فيها كل فرد أنه مقبول كابن في حضن أمه وكطفل يُرفع إلى وجنتي أبيه.
وهكذا نصل إلى الصورة الثالثة: الطفل. ويسوع نفسه، في الإنجيل، “يضعه في الوسط”، ويظهره للتلاميذ، ويدعوهم لكي يرتدّوا ويصيروا صغارًا مثله. كانوا قد سألوه من هو الأعظم في ملكوت السماوات: فأجاب مشجِّعًا إياهم على أن يصيروا صغارًا كالأطفال. ولكن ليس هذا فقط: بل يضيف أيضًا أن من يقبل طفلًا باسمه فقد قبله.
أضاف الأب الأقدس يقول وهذا التناقض بالنسبة لنا هو أساسي. إن السينودس، نظرًا لأهميته، يطلب منا بطريقة ما أن نكون “عظماء” – في العقل، في القلب، وفي الرؤية – لأن القضايا التي يجب معالجتها هي “عظيمة” وحساسة، والسياقات التي تقع فيها هي واسعة وشاملة. لكن لهذا السبب بالتحديد، لا يمكننا أن نحيد نظرنا عن الطفل الذي يستمر يسوع في وضعه في محور اجتماعاتنا وطاولات عملنا، لكي يذكرنا بأن السبيل الوحيد لتكون “على مستوى” المهمة التي أوكلت إلينا هو أن نصبح صغارًا ونقبل بعضنا البعض كما نحن، بتواضع. لنتذكر أن الله، إذ تصاغر، “أظهر لنا ما هي العظمة الحقيقية، لا بل ما معنى أن يكون إلهًا”. وليس من قبيل الصدفة أن يقول يسوع إن ملائكة الأطفال “يشاهدون أبدًا وجه الآب الذي في السماوات”، أي أنهم بمثابة “تلسكوب” لمحبة الآب.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول أيها الإخوة والأخوات، لنواصل هذه المسيرة الكنسية بنظرة موجهة نحو العالم، لأن الجماعة المسيحية هي دائمًا في خدمة الإنسانية، لإعلان فرح الإنجيل للجميع. هناك حاجة ماسة لذلك، لاسيما في هذه اللحظة المأساويّة من تاريخنا، التي تستمر فيها رياح الحرب ونيران العنف في تدمير شعوب وأمم بأسرها. ولكي أطلب بشفاعة مريم العذراء عطية السلام، سأذهب يوم الأحد القادم إلى بازيليك القديسة مريم الكبرى حيث سأتلو صلاة المسبحة الوردية المقدسة وأوجه للعذراء صلاة حارًا؛ وإن أمكن، أطلب منكم أيضًا، يا أعضاء السينودس، أن تنضموا إليّ في تلك المناسبة. وفي اليوم التالي، ٧ تشرين الأول أكتوبر، أطلب من الجميع أن يعيشوا يوم صلاة وصوم من أجل السلام في العالم. لنسر معًا. ولنضع أنفسنا في الإصغاء للرب. ولنسمح لنسيم الروح القدس بأن يقودنا.
Comments are closed.