البابا فرنسيس يتحدث إلى العاملين في مجال القضاء عن التمييز والتوازن بين العدالة والرحمة
كان تميُّز عمل القضاء في دولة حاضرة الفاتيكان محور كلمة البابا فرنسيس خلال استقباله اليوم العاملين في هذا المجال لمناسبة افتتاح السنة القضائية. وشدد قداسته على ضرورة التمييز والتوازن بين العدالة والرحمة.
لمناسبة افتتاح السنة القضائية لمحكمة دولة حاضرة الفاتيكان استقبل البابا فرنسيس قبل ظهر اليوم السبت وفدا من العاملين في مجال القضاء. ورحب الأب الأقدس في بداية كلمته بالجميع وشكر كلاًّ من وزير العدل الإيطالي ووكيل رئاسة مجلس الوزاء الإيطالي على حضورهما هذا اللقاء، كما ووجه الشكر إلى مسؤولي القضاء في دولة حاضرة الفاتيكان والعاملين فيه على ما يميز عملهم من سخاء وكفاءة. شكر قداسته أيضا المتعاونين مع الجهات القضائية مثل الدرك الفاتيكاني والذين هم على استعداد دائم لتقديم الدعم الضروري من أجل ممارسة العاملين في القضاء لمسؤوليتهم الحساسة.
توقف البابا فرنسيس بعد ذلك عند الأوضاع الصعبة الناتجة في الفترة الأخيرة عن أحداث خطيرة، فأشار أولا إلى الجائحة وتبعاتها الأليمة. وقال الأب الأقدس إننا بعد هذا الاختبار تمنينا انتعاشا سريعا تغذيه روح تضامن منتشرة، كما ورجونا وعملنا على إبعاد الانانية والتطلع إلى الكسب، وذلك من أجل الانطلاق مجددا معا بحس مسؤولية وقدرة على التعاون. وتابع البابا أن هذه الأمنيات والجهود قد تحققت بشكل ملموس في الكثير من مناطق العالم ومن خلال مبادرات كثيرة، ولكن، ومع الأسف، بينما كنا نسعى إلى السير قدما على درب الانتعاش التدريجي ألقى اندلاع الحرب في أوكرانيا والتطور المأساوي لهذه الحرب بالعالم في أزمة كبيرة تزيدها خطورةً بؤرات الحرب الكثيرة التي تواصل الاشتعال في دول أخرى.
وتابع البابا فرنسيس مشيرا إلى أنه أمام هذه الأحداث ينمو تطلعنا إلى السلام والعدالة وتتعزز في ضمائرنا الحاجة إلى تقديم شهادة من أجل المساعدة في بناهما. وذكَّر الأب الأقدس هنا بما قال خلال زيارته الرسولية الأخيرة إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية: “في عالم مصاب بالإحباط بسبب العنف والحرب، يصنع المسيحيون ما صنع يسوع. لقد كرر لتلاميذه مُلِحا تقريبا: السلام عليكم!”، ونحن مدعوّون إلى أن نجعل هذا النداء نداءنا، وأن نعلن إلى العالم هذه البشرى نفسها، بشرى الرب يسوع غير المتوقعة والنبوية، بشرى السلام… نعم، المسيحيون الذين أرسلهم المسيح، هم مدعّوون، بحكم اسمهم وتعريفهم، إلى أن يكونوا ضمير سلام العالم”. وواصل البابا أن أي التزام من أجل السلام يتطلب التزاما من أجل العدالة لأن سلاما بدون عدالة ليس سلاما حقيقيا، فليس لديه أساس قوي ولا مستقبل ممكن.
وفي حديثه عن العدالة شدد الأب الأقدس على انها ليست أمرا مجردا أو يوتوبيا، وليست فقط ثمرة مجموعة من قواعد يجب تطبيقها، بل هي فضيلة تجعلنا نعطي كل شخص ما يحق له، فضيلة يجب تنميتها من خلال ارتداد شخصي، وممارستها إلى جانب فضائل أخرى مثل الاحتراز والقوة والاعتدال. وتوقف البابا أيضا عند ما يميز عمل الأجهزة القضائية في الفاتيكان حيث يجب الحكم في قضايا تتداخل فيها صلاحيات محاكم الكرسي الرسولي والمحاكم الكنسية، إلى جانب تداخل المصادر الكنسية والمدنية.
ومن بين ما تحدث عنه الأب الأقدس في كلمته القضايا المتعلقة بإدارة الخيور والأموال، مشيرا إلى تصرفات من بعض أعضاء الكنيسة تُلحِق الضرر بقدرتها على أن تعكس النور الإلهي، ولكن والحمد لله هناك الرغبة العميقة في هذا النور وهناك استعداد الكنيسة لتلقيه ومقاسمته، فالتلاميذ مدعوون إلى أن يكونوا نور العالم، قال الأب الأقدس. سلط البابا الضوء من جهة أخرى على أن الكنيسة تؤدي مهمتها في المقام الأول حين تشهد بالكلمات والأفعال للرحمة التي نالتها هي ذاتها بمجانية. وأضاف أننا مدعوون من خلال الرحمة والقرب إلى النظر إلى الأخوة والأخوات، وخاصة مَن يواجهون مصاعب، حين يرتكبون الأخطاء أو يخضعون لإصدار الأحكام. وشدد الأب الأقدس بالتالي على أهمية التمييز وأيضا التوازن الضروري بين العدالة والرحمة اللتان تسيران معا في توازن نحو الهدف ذاته، فالرحمة هي كمال الشريعة
Comments are closed.