رسالة قداسة البابا فرنسيس لإطلاق الميثاق العالمي للعائلة
البابا عن العائلة: مسيرة واضحة في أربع خطوات
ننشر تاليا رسالة قداسة البابا فرنسيس لمناسبة إطلاق الميثاق العالمي للعائلة.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء!
في الإرشاد الرّسولي، فرح الحبّ (Amoris laetitia)، شدّدت على أنّ “خير العائلة هو مصيريٌّ لمستقبل العالم والكنيسة” (رقم 31). بهذا الإثبات، أودّ أن أدعم الميثاق العالمي للعائلة، وهو برنامج عمل مشترك يهدف إلى إدخال العمل الرّعوي للعائلة في حوار مع مراكز الدّراسة والبحث في العائلة، الموجودة في الجامعات الكاثوليكيّة حول العالم. إنّها مبادرة من دائرة العلمانيّين والعائلة والحياة والأكاديميّة البابويّة للعلوم الاجتماعيّة، وقد نشأت من دراسات وأبحاث في أهميّة العائلة الثّقافيّة والأنثروبولوجيّة وفي التّحديات الجديدة التي تواجهها.
الهدف هو تجميع القوى والتّعاون، والعمل على أن يستفيد العمل الرّعوي مع العائلات في الكنائس الخاصّة، بشكل أكثر فعّالية، من نتائج البحث والالتزام التّعليمي والتّدريبي الذي يتِمُّ في الجامعات. يمكن للجامعات الكاثوليكيّة والعمل الرّعوي معًا تعزيز ثقافة العائلة والحياة التي تساعد الأجيال الجديدة، بناءً على الواقع، – وفي هذا الوقت من الشّك والتّردد وانعدام الأمل – على تقدير سرّ الزواج والحياة العائليّة بطاقاتها وتحدياتها، وجمال الولادة والحفاظ على الحياة البشريّة. باختصار، هناك حاجة إلى “جهد فيه المزيد من المسؤوليّة والسّخاء، في تقديم […] الدوافع لاختيار الزواج والعائلة، بطريقة تجعل الناس أكثر استعدادًا للاستجابة للنّعمة التي يمنحها الله لهم” (فرح الحبّ، 35).
كُلِّفَت الجامعات الكاثوليكيّة بمهمّة تطوير تحليل مُعمَّق، على الصّعيد اللاهوتيّ والفلسفيّ والقانونيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ، عن الزّواج والعائلة، من أجل دعم أهمّيّتها الفعّالة داخل أنظمة الفكر والعمل المعاصرة. وتبيَّن من الدّراسات التي أُجرِيَت أنّ هناك أزمة في العلاقات العائليّة، ناجمة عن صعوبات طارئة أو عن البُنَى الاجتماعيّة نفسها، ما يجعل من الصّعب جدًّا إنشاء عائلة بشكل هادئ في غياب الدّعم الكافي من المجتمع. لهذا السّبب يرفض الكثير من الشّباب خيار الزّواج ويفضّلون أشكال علاقات عاطفيّة غير مستقرّة وغير رسميّة. مع ذلك، سلّطت الأبحاث الضّوء أيضًا على كيف تستمرّ العائلة في أن تكون المصدر الأساسيّ للحياة الاجتماعيّة وأظهرت وجود ممارسات إيجابيّة تستحقّ المشاركة والنّشر على المستوى العالميّ. بهذا المعنى، يمكن للعائلات نفسها ويجب عليها أن تكون الشّاهد والعامل الرّئيسيّ في هذه المسيرة.
في الواقع، لا يُقصد من الميثاق العالمي للعائلة أن يكون برنامجًا ثابتًا، يهدف إلى بلورة بعض الأفكار، إنّما هو مسيرة واضحة في أربع خطوات:
- تفعيل عمليّة حوار وتعاون أكبر بين المراكز الجامعيّة للدراسة والبحث التي تتعامل مع قضايا عائليّة، حتّى يصير نشاطها أكثر خصبًا، لا سيّما بإنشاء أو إعادة إطلاق شبكات المعاهد الجامعيّة التي تستمّد إلهامها من تعلِيم الكنيسة الاجتماعي.
- خلق تعاون أكبر، من حيث المحتوى والأهداف، بين الجماعات المسيحيّة والجامعات الكاثوليكيّة.
- نشر ثقافة العائلة والحياة في المجتمع، حتّى تظهر مقترحات ومشاريع مفيدة للسياسات العامّة.
- وبعد الاتفاق على الاقتراحات المقدّمة، التّنسيق بينها ودعمها، حتّى يتمّ اثراء خدمة العائلة ودعمها من النّواحي الرّوحيّة والرّعويّة والثّقافيّة والقانونيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة.
تتحقّق في العائلة معظم أحلام الله للجماعة البشريّة. لذلك لا يمكننا أن نستسلم لانحدارها باسم الشّكوك وغياب القناعات، أو باسم الفرديّة والنّزعة الاستهلاكيّة، التي ترى مستقبلًا لأفراد يفكّرون في أنفسهم. لا يمكننا أن نكون غير مبالين بمستقبل العائلة، التي هي جماعة حياة وحبّ، وعَهدٍ بين رجل وامرأة، غير قابل الانحلال، ولا يمكن تبديله. وهي مكان اللقاء بين الأجيال، وأمل المجتمع. لنتذكّر أنّ للعائلة نتائج إيجابيّة للجميع، على قَدْرِ ما تولّد الخير العام: العلاقات العائليّة الجيّدة تمثِّلُ غِنَى لا يمكن الاستغناء عنه، ليس فقط للأزواج والأبناء، بل للجماعة الكنسيّة والمدنيّة بأسرها.
لذلك أشكر جميع الذين انضمّوا والذين سينضمّون إلى الميثاق العالمي للعائلة، وأدعوكم إلى أن نكرّس أنفسنا بشكل خلّاق وبثقة لكلّ ما يمكن أن يساعد إعادة العائلة إلى قلب التزامنا الرّعويّ والاجتماعيّ.
روما، بازيليكا القدّيس يوحنّا في اللاتران، يوم 13 أيّار/مايو 2023
Comments are closed.