الشاعرة فيلومين نصار تكتب:غزةُ التاريخِ وغضبُ السماءْ(حول مجزرة غزة وقصف المستشفى المعمداني)
جرفَتْني سيولُ السّمِّ وقيْءُ الأخبارْ
يتقاذفُنيُ ليلُ القصفِ الدامي
والليلُ بوجهي يتساوى مع قُبْحِ النهارْ..
حصَدتْني الصُّورُ الفسفوريةُ تحرقُنا
تتطايرُ أرواحٌ من غزةَ في أقصى الفضاءْ
فاضتْ بدمائِها تلعنُنا وتفضحُنا
بعدما جفَّتْ وتصدَّعَتْ وانكسرَتْ
أجرانُ وكؤوسُ وخوابي عزَّتِنا
ماتتْ واندحَرتْ واندثرَتْ؛
خجِلتْ؛ لكثرةِ ما استنكرْنا وشجبْنا
وبعدما بعْنا؛ للمغتصبِ كرامتَنا ..
ها هم شهداءُ الوطنِ الذبيحْ
أرتالٌ من الشهداءِ تتناثرُ في الريحْ
صوتُ دمائِهِمْ وصلَ إلى ربِّ السماءْ
وما زلنا نتداوى في ضعفٍ وفي بَلَهٍ
نستجدي الغاصبَ
ليُخفِّفَ ويلَ التقبيحْ
نخاطبُهُ بعباراتٍ نعلكُها منذ سنين
كي يقبلَ وقفًالأزيزِ التفجيرِ والتنكيلِ
وهُدنةً تلفُظُ أنفاسَها بعدَ انكسارْ
كي ندفنَ ذاك الجريحْ
كي يُوقِفَ – من أجلِ شواربِنا –
إطلاقَ الغضبِ من فوهاتِ النارْ ..
نهشَتْ أضلعيذئابُ الصمتِ
شحوبٌ وذهولٌ بل موتٌ مطبَقْ
يعلو وجوهَ من فقدوا الحياءْ ..
تأتيني هبَّاتُ الغضبِ تِباعًا
تأخذُني لشقاءٍ يَتوالدُ إثْرَ شقاءْ ..
معابرُ وشوارعُ تحتضِنُ مئاتِ القتلى
جثثٌ. أطفالٌ؛ ورؤوسٌ مقطوعة
مجازرُ في المستشفياتِ ودورِ الأيتامْ
من يوقفُ بطشَ القومِ اللئامْ؟؟
“صوتٌ سُمِعَ في الرَّامة
نَوْحٌ، وبُكَاءٌ مُرٌّ وعويلْ
رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلادِهَا
تَأْبَى أَنْ تَتَعَزَّى
لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ.”
آباءٌ وشيوخٌ وأمهاتٌ ثكلى
والغاصبُ يتفنَّنُبالإجرامِالأعلى
يجرعُ كأسَ العُهْرِ ويتنطَحُ بانتشاءْ
هذا هو ثمنُ البغاءْ ..
“يا قدسُ .. يا قدسُ
يا قاتلةَ خيرِ الأنبياءْ
ويا راجمةَ المرسلينَ إليكِ”
كيف أُحالَ الطُغاةُ أرضَكِ لفَناءْ
كيف استباحوا عذريةَ الطهارةِ فيكِ
كيفَ أضحيْتِ مشرحةً للطفلِ وللكهلِ
نحنُ الموتى في الحياةِ بدونِ رياءْ ..
نحنُ من طأطأْنا رؤوسَنا حدّ الغثاءْ
ساهمْنا باقتلاعِ الأجنَّةِ
من رحِمِ حُرِّ النساءْ ..
همجيةٌ وعنصريةٌ صهيونية
لا تخشى اللهَ .. تقذِفُنا للمنيَّة
تشربُ وتلعقُ وتتغذى في هستيريتِها
من مُحيطاتِ الدماءْ ..
ما أبشعَ أن نغرقَ في سيلِ الوحلِ
ما أحقرَ أن نقتُلَ أحكامَ العدلِ
علَّقنا نياشينَ الموتِ على الصليبِ
على صدورِ القتلةِ وبغايا الهولِ
واكتفينا بالعويلِ والتنديدِ والنحيبِ ..
ها هيَ غزةُ تتزنَّرُ باللحمْ
ارتصفَتْ أزقَّتُها بالجماجمِ الحمراءْ
تبحثُ عن أبنائها بين بقايا الأشلاءْ ..
تتكدّسُ في الطرقاتِ الملغومةِ
شظايا ورائحةُ شِواءِ الأجسادْ
تصرخُ الزوايا والركامُوالأشجارْ:
أينَ الأهلُ وفتاتُ العبادْ؟
اقصِفوا وفجِّروا واغتالوا ما شئتمْ
هذا القصفُ الوحشيُّ عنوانٌ
لضعفِ صفاتِ الجرذانْ
حتى في حُنقِكمْ وبطشكمْ
لم يَسْلمْ جرحى المعمدانْ !!
وزِّعوا ما شئتمْ من أوسمةٍ
علِّقوها على أكتافِ القتلةْ والمرتزقةْ
لم تَسْلمْ منكم الشيوخُ ولا الرُهبانْ
افتحوا واملأوا ما شئتمْ من قبورْ
إلى مقصلةِ التاريخِ نهايتكُمْ
هناكَ ستصبحونَ رمادًا وقشورْ
وسيبقى رأسُ غزةَ مرفوعًا
والفلسطينيونَ إسمًا وشعبًا ووطنًا
في الأفلاكِ من تحتِ الموتِ
ينهضُ. يُزهرُ. ثم يثورْ ..
فيلومين نصار
17 أكتوبر 2023
Comments are closed.