قال ربنا يسوع:”أنا الكرمة وأنتم الأغصان، فمن يثبت فيّ وثبتُّ فيه فذاك الذي يثمر ثمراً كثيراً” (يو5:15). والعنقود رمز العطاء والبذل والإخلاص، فالكرمة تتحمّل برد الشتاء وعواصفه من أجل عنقود مليء بخمر الحياة، وهذا ما جعل ربنا يسوع أن يشبّه حياته بالكرمة… إنه الكرمة الحقيقية التي تعطي الحياة للإنسان، أحبّنا حتى بذل الذات، ورسم لنا طريق الخلاص عبر سر الحب في الافخارستيا، وفي هذه الطريق تكون المسيرة. ولكي تكون المسيرة أصيلة يجب أن تكون ثابتة في المسيح، ولكي نحيا إيماننا في هذه الظروف القاسية يجب أن تكون حياتنا عناقيد صحيحة في كرمة الرب. وها هي العناقيد نجمعها في سلّة واحدة،ثماراً يانعة.
الإنجيل رسالة
بدأ ربنايسوع رسالته في الجليل بإعلان الإنجيل “لقد تم الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل” (متى) . وحين أرسل تلاميذه ساروا في القرى وهم يبشرون، وحين كتب هذا النص من مرقس، بعد مرقس بزمن طويل، عاد الكاتب الملهَم يشدد على المناداة بالإنجيل. فالإنجيل ، يسوع المسيح وتعليمه وحياته وأعماله وأقواله، هو أساس الكنيسة، فإن غاب الإنجيل صارت عباداتنا عاطفية وكنائسنا حجارة. فالجماعات المسيحية الأولى لم تكن لها كنائس، كانوا يجتمعون في البيوت، والكلمة التي تجمعهم هي المناداة بالإنجيل.
أين موقع الإنجيل في عوائلنا وفي كنائسنا؟، هل له المكانة الأولى أم هو قراءة نتلوها في الكنيسة سواء سمعها الناس أم لم يسمعوها؟، هل أحمل الإنجيل إلى مَن هم حولي في أسرتي أو أبعد من ذلك أم أعتبر المناداة بالإنجيل مسؤولية غيري؟. حسب معرفتي وطريقة حياتي إنني أفهم أن الإيمان هو الجواب على هذا النداء، فالنداء يجب أن يجد أرضاً طيبة لكي تنبت فيه المحبة، والإيمان يهيء تلك الأرض، والإنجيل أساسه يسوع المسيح، ولكي أوصل يسوع المسيح عليّ أن أفهم ماذا أقرأ وماذا يسمع الناس، عليّ أن أقرأ بكل وضوح وأن أعطي كل عبارة حقها في نبرة الصوت وإيصاله إلى الآخر، فالآخر وأنا يجب أن نكوّنا، كما قلتُ، أرضاً طيبة لقبول بذرة الإنجيل بسماعها وقراءتها وعيشها عبر الحياة، وهكذا يكون الإنجيل رسالة الخلاص حينما أحيا به أنا وغيري، حينما أكون أنا حامله بكل أمانة إلى الآخر وليس على الهامش، وإذا ما فعلتُ فمعنى ذلك أكون مخلصاً لإيماني وأعبّر عنه من خلال أعمالي ورسالتي في الحياة… وأجمل ما أختم به هذه العبرة الصغيرة:
عاش في قرية كاهن قديس يلجأ الناس إليه في الملمّات، فينسحب الكاهن إلى مكان معين في الغابة ويتلو صلاة خاصة فتزول الصعوبة وتكون القرية بألف خير. ولما توفي الكاهن أصبح أهل القرية يقصدون خَلَفه، ولم يكن قديساً إنما كان يعرف المكان والصلاة ويقول:”يا رب، أنت تعرف أنني لستُ قديساً ولكن لا ترفض طلبي من أجل هؤلاء الجماعة”، وبقيت القرية بألف خير. وخَلَف هذا الكاهن آخر كان يعرف الصلاة الخاصة دون المكان وكان يقول:”يا رب، أنت لا تهتم بالأماكن، كل مكان يتقدس بحضورك. استجب صلاة هؤلاء القوم”، وظلّت القرية بألف خير. ثم وصل كاهن جديد لا يعرف الصلاة ولا المكان، وكان يصلي هكذا “يا رب، أنت لا تهتم للكلمة بل لحرقة القلب. ساعدنا يا رب”، واستمرت القرية بألف خير، إلى أن جاء كاهن لا يعرف شيئاً البتة ولا يملك سلام القلب أو المحبة، وكان يقول:”أي نوع من الآلهة أنت؟، إنك لا تقبلنا إلا متوسلين زاحفين. هؤلاء شعبك وأنا لا أهتم لأمرهم إطلاقاً! يمكنك أن تفعل بهم ما يحلو لك”… وهكذا عاشت القرية بألف خير. فما أجملها من عبرة فكبار زمننا ربما يخجلون أحياناً ذكرَ المسيح ، إبن الله ، في مسيرة الحياة إحتراما لغيرنا ! والحقيقة ،إنه حقيقة إيماننا ليس إلا!. نعم وأمين