بعد مضي عشر سنوات على اندلاع الحرب في سورية أكد السفير البابوي في دمشق الكاردينال ماريو زيناري ضرورة أن توفَّر المساعداتُ إلى المواطنين السوريين الذين يعانون من الفقر المدقع، ويفتقرون إلى التعليم والطبابة، في وقت ما تزال البلاد تعاني من صراع تُشارك فيه قوات مسلحة تابعة لخمس قوى لا يوجد وفاق بينها.
في الذكرى السنوية العاشرة لبداية الأحداث السورية في منتصف آذار مارس من العام 2011، أجرى موقع فاتيكان نيوز الإلكتروني مقابلة مع الكاردينال زيناري الذي استهل كلمته مشيرا إلى أن سورية ليست اليوم البلد الذي تعرّف عليه لدى قدومه إلى دمشق لاثنتي عشرة سنة خلت بعد تعيينه سفيراً بابوياً. وقال إنه يشاهد العديد من المواطنين ينتظرون دورهم أمام الأفران، لشراء الخبز المدعوم من الدولة، وغالبا ما يشكل الخبز الطعام الوحيد الذي يستطيع المواطنون شراءه. وأضاف نيافته أن هذه المشاهد لم تكن مألوفة في السابق، حتى خلال سنوات الحرب، لافتا إلى أن سورية موجودة ضمن ما يُعرف بالهلال الخصيب. وأشار أيضا إلى أن المواطنين ينتظرون دورهم أمام محطات الوقود، ويجدون صعوبة في إيجاد المحروقات اللازمة للتدفئة، مع أن المناطق الشرقية غنية جداً بآبار النفط.في رد على سؤال بشأن الأوضاع التي تعيشها سورية اليوم، بعد مضي عشر سنوات على بداية النزاع قال الكاردينال زيناري إن الحرب حصدت أرواح قرابة النصف مليون شخص، فيما بلغ عدد النازحين إلى البلدان المجاورة مليون وخمسمائة ألف نسمة، يُضاف إلى هؤلاء حوالي ستة ملايين مهجر داخل سورية، ومليون آخرين هاجروا. هذا ناهيك عن عشرات آلاف المفقودين، وقد نزح أكثر من نصف المسيحيين. وتيتّم العديد من الأطفال، بالإضافة إلى النقص في المدارس والمستشفيات والعاملين الصحيين، خصوصا إزاء الأزمة الراهنة وليدة جائحة كوفيد 19. كما هناك نقص في المصانع والنشاطات الإنتاجية. وقد سُويّت العديد من القرى بالأرض، فضلا عن الأضرار الجسيمة التي تعرض لها الإرث الأثري الذي كان يستقطب الزوار من كل حدب وصوب. وأضاف نيافته أن الحرب نالت أيضا من النسيج الاجتماعي، أي من فسيفساء التعايش المثالي بين المجموعات العرقية والدينية، ناهيك عن الأضرار البيئية وانتشار الألغام والمتفجرات، وقال: إن الوضع كارثي حقا.بعدها انتقل السفير البابوي في سورية إلى الحديث عن الأوضاع الاقتصادية وأكد أن القنابل توقفت عن السقوط في العديد من المناطق لكن انفجرت في سورية قنبلة من نوع آخر، ألا وهي قنبلة الفقر. وتشير معطيات منظمة الأمم المتحدة إلى أن نسبة تسعين بالمائة من السكان تعيش دون عتبة الفقر، وهو الوضع الأسوأ في العالم. وأضاف أن الليرة السورية فقدت نسبة كبيرة من قيمتها فارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل مخيف. وقال إن الناس يسمّون هذه المرحلة بالحرب الاقتصادية. وما يزيد الطين بلة توقف الإنتاج وعدم توفر فرص العمل وتدني الرواتب، ولا تلوح في الأفق مؤشرات للانتعاش الاقتصادي.في معرض حديثه عن عملية السلام قال الكاردينال زيناري إن الانطباع السائد هو أن عملية السلام التي رسمتها خارطة الطريق بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254 دخلت نفقاً مسدودا. وذكّر بأن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية وفي مداخلته أمام مجلس الأمن في التاسع من الشهر الفائت شدد على ضرورة تبني دبلوماسية دولية بناءة لصالح سورية، أكان من أجل تنفيذ الإصلاحات الدستورية أم على صعيد عملية السلام ككل. ولم تخلُ كلمة الدبلوماسي الفاتيكاني من الإشارة إلى الانقسام الحاصل داخل مجلس الأمن بشأن سورية معتبرا أن البلاد لن تنعم بالسلام طالما استمرت هذه الانقسامات بين القوى العظمى.هذا ثم توقف نيافته عند الأضرار التي تسببها الحروب لدى الناس لاسيما لدى شرائح المجتمع الأكثر هشاشة كالأطفال والنساء والمسنين. وتحدث عن وجود العديد من الأطفال الذين ماتوا تحت القصف، وآخرين أصيبوا وبُترت أعضاؤهم. كما مات كثيرون خلال محاولتهم عبور البحر. وتعرض معظمهم لصدمة نفسية يصعب الشفاء منها، كما فقد كثيرون أحد الوالدَين أو كلَيهما. بعدها لفت الدبلوماسي الفاتيكاني إلى أن الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والكنيسة تسعى إلى تلبية احتياجات المواطنين، خصوصا على صعيد المواد الغذائية والرعاية الصحية، لكن لم تبدأ بعد وللأسف عملية إعادة إعمار البلاد، خصوصا وأن السلام لن يحل بغياب إعادة الإعمار والانتعاش الاقتصادي.في إجابة على سؤال بشأن الجهود التي تبذلها الكنيسة في سورية قال الكاردينال زيناري إن التحدي المطروح اليوم أمام مختلف الديانات يتمثل في تحقيق المصالحة وترميم النسيج الاجتماعي بعد سنوات الحرب الطويلة. وذكّر بأن الكنيسة أطلقت العديد من المشاريع الإنسانية الموجهة إلى الجميع على اختلاف الانتماءات العرقية والدينية. |
في ختام حديثه لموقع فاتيكان نيوز الإلكتروني شاء السفير البابوي في سورية الكاردينال زيناري أن يوجه كلمة شكر إلى من سمّاهم بـ”السامريين الصالحين”، وبعضهم من ضحوا بحياتهم ليعبّروا عن تضامنهم السخي. وهم أشخاص ينتمون إلى منظمات إنسانية دولية، وجمعيات رهبانية وأناسٌ عاديون. وختم نيافته بالقول: دعونا لا نترك الأمل يموت في سورية، معربا عن أمله في زمن “الصوم” الذي يعيشه السوريون منذ عشر سنوات أن ترى البلاد النور في نهاية النفق وأن تصل إلى القيامة.