وجه البابا فرنسيس مساء أمس السبت رسالة فيديو إلى المشاركين في المؤتمر الدولي الذي ينظمه المجلس البابوي للثقافة حول موضوع “اكتشاف الذهن والجسم والنفس”، للتباحث في النقاط المشتركة القائمة بين الدين والروحانية في مجال الصحة والرخاء، مع النظر إلى العلاقة بين الذهن والجسم والنفس.
استهل البابا رسالة الفيديو لافتا إلى أن موضوع المؤتمر شكل ركيزة للبحث عن فهم أعمق لسر الكائن البشري. وقال إن المؤتمر يوحّد بين التأمل الفلسفي – اللاهوتي والبحث العلمي، خصوصا في المجال الطبي، معربا عن امتنانه لجميع الأشخاص الملتزمين شخصيا ومهنياً في الاهتمام بالمرضى وفي دعم الأشخاص الأكثر حاجة، لاسيما خلال الجائحة التي ما تزال تحصد الضحايا وتمتحن – في الوقت نفسه – قيمتَي التضامن والأخوّة. لذا فإن وضع الإنسان في المحور يتطلب تأملا في نماذج الأنظمة الصحية التي ينبغي أن تكون متاحة لجميع المرضى، بدون أي تمييز.بعدها توقف فرنسيس عند موضوع المؤتمر أي “الذهن والجسم والنفس”، ولفت إلى أن هذه هي النظرة المسيحية التقليدية للإنسان، وقد تحدث عنها العديد من آباء الكنيسة، فضلا عن بعض المفكرين المعاصرين. وأوضح أن البعد الجسدي للإنسان هو البُعد الآنيّ، كما أن الإنسان ليس روحاً وحسب، وكل شيء يبدأ بجسمه. فمنذ ولادته وحتى وفاته لا يملك الإنسان جسماً وحسب إنما هو أيضا عبارة عن جسد. وتاريخ البحوث الطبية يعكس بُعدا مدهشا لمحاولة الإنسان للتعرف على ذاته. وهذا ينطبق على حضارات العالم كافة.هذا ثم أشار البابا إلى أنه بفضل الدراسات المتعددة الاختصاصات، باستطاعتنا أن نفهم بصورة أوضح الديناميكية القائمة بين وضعنا الجسدي والبيئة المحيطة، فضلا عن الاهتمام بالرخاء النفسي والجسدي، والاعتناء بالحياة الروحية من خلال الصلاة ومختلف أنواع التأمل. كما أن هناك رباطا قائما بين الصحة والفنّ، إذ يكفي التفكير بالموسيقى على سبيل المثال.وأكد البابا في هذا السياق أنه ليس من قبيل الصدفة أن يشكل الطب جسراً بين العلوم الطبيعية وتلك الإنسانية. ولم تخلُ كلمته من التوقف عند البحوث في مجال علم الجينات الهادف إلى التغلب على العديد من الأمراض، مع أن هذه البحوث تطرح علامات استفهام كثيرة على الصعيدين الأنتروبولوجي والخلقي.تابع فرنسيس رسالة الفيديو متوقفا عند البعد الذهني للإنسان، ولفت إلى أن البشرية تبحث منذ آلاف السنين عن جوهر ما يجعل من هذا الكائن الحي إنساناً. وثمة ميل اليوم إلى ربط هذا الجوهر بوظيفة الدماغ والجهاز العصبي. لكن هذا الأمر لا يستطيع أن يفسّر كل الظواهر البشرية، التي هي غالباً مجردة، ولا يمكن أن تُقاس لأنها تتخطّى البعد الجسدي. كما أن الفلاسفة واللاهوتيين يسعون منذ قرون إلى البحث عن العلاقة القائمة بين الدماغ والذهن. وهذه الكلمة الأخيرة تعبر عن الوظائف البشرية، خصوصا تلك المتصلة بتكوين الفكر.وتطرق البابا بعدها إلى البعد المستامي للإنسان، ألا وهو النفس. وقال إن هذا المفهوم يكتسب أوجهاً مختلفة في الثقافات والأديان. وفي الكتاب المقدس، كما في التأمل الفلسفي اللاهوتي، تعكس النفس خصوصية الكائن البشري الفريدة، وانفتاحه على البعد ما فوق الطبيعي، أي على الله. وهذا الانفتاح على المتسامي وعلى ما هو أكبر من الإنسان يشهد لقيمة الكائن البشري. |
ختاما شجع البابا المؤتمرين على متابعة البحوث المتعددة الاختصاصات بغية التوصل إلى فهم أفضل لكياننا قائلا إنه يوكل أعمال المؤتمر إلى الله ومتمنياً للجميع ألا يفقدوا الحماسة والدهشة أمام الإنسان الذي لا يمكن أن نكتشفه بالكامل.