“ولمّا طَلَع الصّباح، سكتت شهرزاد عن الكلام المُباح” كان الملك شهريار يتزوّج امرأةً لليلة واحدة، ثم يقتلها. إلى أن تزوج شهرزاد، التي بدأت تُخبره قصة. ولمّا طلع الصباح سكتت شهرزاد عن الكلام المُباح”، فأجّل الملك قتلها إلى الليلة التالية. لكن القصّة استمرت “ألف ليلة وليلة.
أمّا السامريّة، فكان لها علاقات اكثر غرابة من علاقات شهريار. والربّ يقول إنه كان لها “ستّة رجال” ولا يقول “ستة أزواج”، دلالةً على أنّهم لم يكونوا جميعُهم أزواجها. وعن آخِرهم قال لها الربّ أيضًا: الذي معكِ ليس زوجك.
وإنّ أياً من أولئك الرجال لم يحاول قتلها، كما فعل شهريار. لكن كان للمرأة السامريّة علاقات مُميتة على نحو آخر، وقد قيل: مِن الحبّ ما قتل.
1 – الرجل الأوّل أقام معها علاقة من دون علاقة، أي لمرّة واحدة، من دون ارتباط. يُسمّونها one night stand، وهي فعل مُتعة مع شخص غريب أو عابر، كمثل ما يَحدث أحيانًا في سهرات الشباب، حين تُهاجم النَّزوة شخصين في حالة سكر، أو استجابةً لإغواء. بهذا تكون المُتعة الآنيّة هي الغاية، بينما يكون الآخر كأنه غير موجود، وفي أحيان كثيرة غير مُحترَم ولا مُعتبَر، بل هو مجرّد جسد. هذه التجربة تترك في النفس ذنبًا وجرحاً عميقًا
2 – الرجل الثاني أقام معها علاقة من دون ارتباط. يسمّونها friends with benefits. إنها علاقة مٌتعة جنسيّة محض، no strings attached بحيث لا يتوجّب على أيّ من الطرفَين أيّ مسؤوليّة تجاه الآخَر، ولا يحقّ له أن يُطالبه بأيّ التزامات أو ارتباطات أو واجبات. ويعني هذا أيضًا أنه يحقّ لكلّ منهما أن يُقيم علاقات جنسيّة مع أشخاص آخرين، من دون أن يحقّ للطرف الآخَر المُطالبة أو الاعتراض. وإن غياب الحبّ في هذه العلاقة يجعلها عبثيّة ومؤلمة
3 – الرجل الثالث أقام معها علاقة حب من دون زواج. وتتحوّل هذه العلاقة إلى علاقة جنسيّة يدخل إليها الروتين ويغيب عنها أيّ هدف. ومع مرور الوقت، يشعر الطرفان أن هذه العلاقة لا تؤدي إلى شيء، لأن الحب لا يحقّق نفسه إلاّ في إطار الزواج. أما الحب الذي لا غاية له، فيذبل وينتهي إلى الخيبة. في هذه العلاقة تتساءل الفتاة: “ماذا بعد”؟ ألا يحبّني كفايةً لكي يتزوّجَني”؟ وهي إما تستمرّ مع الشخص، لتشعر أنها في علاقة عبثيّة ومؤلمة، أو تُغادر. وتكون النتيجة في الحالَين ضياع سنوات عمرها بلا طائل
4 – الرجل الرابع أقام معها زواجاً من دون زواج. أي مساكنة، أو، بلغة عصرنا، زواجاً مدنياً (وهو ليس زواجاً في نظر الله والكنيسة). عندما يتساكن شخصان، أو يتزوجا مدنياً، فهما يضعان في ذهنهما سلفاً إمكانية الانفصال. ولو كانا على يقين واحدُهُما من الآخر لتزوجا ضمن الكنيسة. هكذا، الارتباط خارج الكنيسة يحكم على نفسه بالانفصال، وقد اثبتت التجربة أن ارتباطات كهذه لا تدوم، عدا أنّ المُساكنة هي خطيئة زنى جسيمة، والزواج المدنيّ خروج عن سُلطة الكنيسة في ما يتعلّق بالزواج والإنجاب وإنشاء العائلة وتربية الأولاد مسيحيًّا
5 – الرجل الخامس عقد معها زواجاً من دون حبّ. فهو إما تزوجها من دون حبّ، وإمّا أن الحبّ بينهما تبدّد فانتهيا إلى الشقاء والخيانة والانفصال. ويحصل هذا في الأساس لعدم وجود الله في حياة الشخصَين، فيقعا في الأنانيّة ويتبدّد الحبّ وتدخل الصراعات والخيانة
6 – الرجل السادس أقام معها علاقة حبّ خارج الزواج، أي علاقة خيانة زوجيّة وزنى. وهذا يحدث أيضًا بسبب فساد النفس وابتعاد أحد الطرفين أو كليهما عن الله. والخيانة لا تقتل حبّ الشريك لشريكه وحسب، بل تقتل الثقة وفي معظم الأحيان تُسمِّم العلاقة وتُميتُها.
ولا يمنع أن تكون هذه المرأة قد أقامت اكثر من علاقة، من الأنواع المذكورة أعلاه تكراراً، وفي وقت واحد. وجميع هذه العلاقات ينقصها الحبّ وتُعوزها الجديّة والالتزام والمسؤولية، وهي في معظمها علاقات زنى، لا هدف لها ولا غاية ولا معنى، وجميعُها تُنشء ذنبًا وتترك جرحاً عميقاً في النفس. هكذا انتهت السامرية إلى دوامة من البحث، وتحوّلت هذه العلاقات، على تنوّعها، إلى أسلوب حياة وإدمان عندها، ولم تعد بحاجة إلى التوبة وحسب، بل إلى شفاء في النفس والروح
وحين قال لها الربّ “كان لكِ خمسة رجال والذي معكِ الآن ليس زوجك”، “سكتت عن الكلام المُباح” وغيّرت الحديث وأرادت أن تتكلم في الإلهيات! وليس ذلك عجبًا، فكثروون من أبناء عصرنا يفعلون الشيء عينه. لكنّ الربّ شفى نفسها من دون أن يدينها. وهي أحبته لأنها كانت تبحث عمّن يفهمُها ويُصغي اليها ويحاورُها ويَدخُل إلى أعماقها. وبعد أن شَفى نفسَها استطاعت أن تتوب عن خطيئتها
ونحن لأوّل وهلة قد نميل إلى دينونتها، وربما السخرية منها أو الشفقة عليها. لكن هذه المرأة هي واجهة لرتل من الرجال الذين زنوا معها، ونحن لا نراهم. فحين قال لها الربّ: “اذهبي وادعي زوجك” ذهبت ودعت جميع رجال القرية! فقد كان الربّ يدعو أيضاً جميع الرجال الذين زنوا معها إلى التوبة. فكما قيل: “وراء كلّ رجُل عظيم امرأة”، كذلك أيضًا فإنّ وراء كلّ زانية عدد من الرجال الزواني، ووراء كلّ رجُل زانٍ نساء زانيات. أما نحن فلا نحكمنّ على أحد، بل لنحذَر لأنفُسنا، كما قال الكتاب: “ليحذَر السقوط مَن توهَّم أنه قائم” (1كو10/12)، ولنُصلِّ لأجل أنفُسنا ولأجل توبة العالم
وإن علاقات كهذه تتفشّى في عصرنا كالوباء، حتى إنّ عصرنا نفسه صار بحاجة إلى شفاء المسيح. وهناك رجال ونساء كثيرون يعيشون في فوضى عارمة، لا تنتهي، من العلاقات العبثيّة والمُتعددة. وفوق ذلك، هناك تجاهل كليّ وصمت وإنكار للألم والخيبة والجراح التي تسببها هذه العلاقات
ويعتبر كثيرون أن هذه هي الحرية، وأن الانفلات من حقهم وان الجنس حاجة يجب تلبيتها، وما إلى ذلك من مُبرّرات واهية يستعملها كثيرون لبلوغ مأربهم وتلبية شهواتهم. والرب يدعو نساء ورجال عصرُنا إلى التوبة لينالوا الشفاء. فالطبيعة البشرية هي هي في كلّ عصر، وخطايا البشر هي نفسُها. وهذا الإنجيل يقول لنا إنّ علاقةً خارج حبّ المسيح لا تُجدي، ولا تؤدّي سوى إلى العطش والضياع
والسامرية تركت جرتها، دلالةً على توبتها وتخلّيها عن عاداتها الرديئة وإدمانها على المُتعة، وجعلت حب المسيح أساساً سليماً لجميع علاقاتها وصار هو الحبّ الأول في حياتها الذي يلغي كلّ حب سابق مميت. وثبَتَ لها أنّ الرجُل السابع، أي المسيح، هو الحبّ الأساسيّ والحقيقيّ الذي يجب أن تُبنى عليه كلّ علاقة أخرى لتكون حقيقيّة وسويّة وآمنة وهادفة. لأنّ حبّ الرجل والمرأة لا يدوم ولا يثمر إلا بالمسيح
وكم من رجال ونساء كهذه المرأة، يتألمون في نفوسهم ويحملون جراحهم بصمت، ولا يدركون أنّ هناك حبّاً أسمى، وانه بامكانهم من خلال المسيح، أن يحققوا الحبّ الحقيقي. وخير مثال على ذلك هو هذه المرأة التي انقلبت بلحظة من زانية إلى مُبشِّرة بحبّ المسيح، له المجد إلى الدهور. آمين