كلمة الاردن
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، وألقى عظة قال فيها “يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهيّة التي نقدّمها ذبيحة شكر لله على نجاح العمليّة الجراحيّة التي خضع لها في هذا الأسبوع قداسة البابا فرنسيس. ونصلّي كي يستعيد كمال صحّته فيواصل رسالته المقدّسة على رأس الكنيسة”.
في عظته مترئسا القداس الإلهي الأحد الحادي عشر من تموز يوليو في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، أشار البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى أنه “لا بدّ من تذكير المسؤولين في الدولة عندنا وكلّ الّذين يتعاطون الشأن السياسيّ، أنّهم انتُدبوا من الشعب من أجل توفير الخير العام، الذي منه خير الجميع وخير كلّ مواطن، لا لخدمة خيرهم الخاص، ومصالحهم، على حساب الدولة والشعب، كما حذّرهم البابا فرنسيس في كلمته الختاميّة “ليوم التفكير بشأن لبنان، والصلاة من أجل السلام فيه” في أوّل تمّوز الجاري”. وأضاف غبطته “إنّه لمن المخزي حقًّا أن يمعن هؤلاء المسؤولون عندنا في هدم الدولة ومؤسّساتها وإفقار شعبها وتهجير خيرة قواها الحيّة، وتقويض وحدتها الداخليّة، فيما حاضرة الفاتيكان والدول العربيّة والغربية تولي اهتمامًا بالغًا بالقضيّة اللبنانيّة. وما زالت الدول، الحريصة على بقاء هذا الوطن المميَّز، تلتقي وتتشاور وتعمل معًا على بلورة حلٍّ سياسيٍّ بين اللبنانيّين يعالج إشكاليّة وجود لبنان كدولة تتعرّض دوريًّا لخضّات وأزمات وحروب بسبب تعدُّد ولاءات مكوِّناتها واختلافها على السلطة، وبسبب التدخّلات الخارجيّة السلبيّة والمشاريع المذهبيّة التي تطوف في الشرق الأوسط وتجول. وحريّ بالأطراف اللبنانيّة أن تُلَبْنِنَ الحلَّ الدولي بتقديم مشاريع حلول بنّاءة عوض الإمعان في هدم الموجود من دون تقديم بديل واقعيٍّ ينسجم مع الشراكة المسيحيّة ـــ الإسلاميّة، وجوهر وجود لبنان الكبير، ودوره الحضاريّ في المنطقة. إنّنا بالإمتنان نثمِّن المساعي التي تقوم بها هذه الدول للتخفيف من معاناة اللبنانيّين، كل اللبنانيّين، في مجالات الصحّة والغذاء والتعليم والطاقة، ونشجِّع المتردِّدين، حتى الآن، إلى مساعدة شعب لبنان، بعيدًا عن أيِّ اعتبار عقائديٍّ أو سياسيّ. فلا سياسة في الحالات الإنسانيّة، والصديق عند الضيق”.
ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، قال البطريرك الراعي” مطلوب من الدولة اللبنانيّة وبإلحاح ملاقاة المجتمع الدوليّ من خلال تأليف حكومة تتمتّع بالمواصفات الإصلاحيّة والحياديّة. إن العالم يكرّر نداءاته، فيما المعنيّون بتشكيل الحكومة يَمتنعون عن القيام بواجباتهم الدستوريّة والوطنيّة حتّى شكليًّا. فرغم الانهيار الشامل لا يزالون يتبادلون الشروط المفتعلة قصدًا لتأخير تأليف الحكومة. فلا عبارة “الاتفاق مع الرئيس المكلَّف” تعني تعطيل التشكيلات المقدّمة، ولا التكليف يعني تكليفًا أبديًّا من دون تأليف حكومة. إنّ مصلحة الشعب تعلو على كلِّ التفسيرات والاجتهادات الدستوريّة والحساسيّات الطائفيّة. لن نسمح، مع ذوي الإرادة الحسنة، بسقوط البلاد بين أطراف لا تريد حكومة وأطراف أخرى لا تريد دولة”. وأشار غبطته إلى أن “وحدة الدولة تبقى ركيزة الوجود الوطنيّ. فلا دولة مستقلة ومستقرة وآمنة مع تعدُّد السلطات فيها، فيفتح كلّ طرف سياسة خارجيّة على حسابه، وسياسة دفاعيّة على حسابه، ويقرّر تطبيق الدستور ساعة يشاء، ويعطّله متى يحلو له. إنّ الصداقات مع الدول شيء، والانحياز الاستراتيجيّ إلى محاور عربيّة وإقليميّة ودوليّة شيء آخر. لذلك، إن الحياد هو حلّ خلاصيّ للبنان، خصوصًا أنّه لا يحول دون تعزيز العلاقات مع أيِّ دولة وتقوية الصداقة معها لمصلحة لبنان، باستثناء تلك التي لا تكفّ عن استعدائنا”.
وتابع البطريرك الراعي قائلا “اليوم، ونحن على عتبة السنة الأولى من مأساة تفجير مرفأ بيروت، لم تُعرف بعد، بكلّ أسف، ملابسات هذه المجزرة المشبوهة: من تَسبّب بها؟ كيف حصلت؟ إننا ندعم القضاء لبلوغ الحقيقة وفق عمل نزيه ومتجرّد بعيدًا عن الضغوط السياسيّة. ونطالب الجماعة السياسيّة تسهيل عمل القضاء لأنَّ الشعب لا يَغفر لمن يعرقل مسار التحقيق أو لمن يُسيِّسه أو لمن يغطّي أيّ شخص تَثبُت التهمة عليه. ويدمي القلب أن يجعل السياسيّون من رفع الحصانة عن وزراء ونوّاب وعسكريّين استدعاهم القضاء لسماعهم، قضيّة تفوق ثمن دماء المايتي ضحيّة ودموع أهاليهم النازفة ومصيبانهم، وثمن آلام الخمسة آلاف جريحًا، وثمن خسارة سبعة آلاف من البيوت والمؤسّسات التي تهدّمت، وثمن تشريد وتهجير منطقة من بيروت، وثمن هدم المرفأ ومحتوياته هدمًا كاملًا، وقطع هذا المرفق عن محيطه، وهو منذ سنة مائل أمام أعيننا كشبح الموت. فيا للعار! فلتكن نزاهة القضاء المشجّع الأوّل للمثول أمامه من أجل الحقيقة. فلماذا تخافون إذا كنتم أبرياء؟ يجب التمييز بين الأذونات الإداريّة لرفع الحصانة، والبحث القضائيّ عن الأدلّة”.
وختم البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عظته قائلا “إنّنا نكل أمرنا اللبنانيّ إلى العدالة الإلهيّة، لتنير عدالة الأرض، رافعين المجد والتسبيح للآب والإبن والروح القدس، إلى الأبد، آمين”.