نورسات الاردن
انطلق اليوم في ريميني- إيطاليا لقاء الصّداقة بين الشّعوب تحت عنوان “شجاعة أن أقول أنا”، ويستمرّ لغاية الخامس والعشرين من الجاري.
وللمناسبة، وجّه البابا فرنسيس رسالة إلى أسقف ريميني المطران فرنشيسكو لامبيازي، تحمل توقيع أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، وقد بدأها بحسب “فاتيكان نيوز” “بالحديث عن الموضوع محور لقاء هذا العام ألا وهو “شجاعة أن أقول أنا” والمأخوذ من يوميّات الفيلسوف الدّانماركيّ سورين كيركغارد، موضوع يتمتّع بأهمّيّة خاصّة في هذه الفترة الّتي يجب الانطلاق فيها مجّددًا بشكل صحيح كي لا نُضيّع الفرصة الّتي منحتنا إيّاها الجائحة. وتابعت الرّسالة متأمّلة في كلمة الانطلاق مجدّدًا فأكّدت أنّه أمر لا يحدث بشكل تلقائيّ وذلك لأنّ في كلّ فعل إنسانيّ هناك الحرّيّة. وذكَّرت الرّسالة بحديث البابا الفخريّ بندكتس السّادس عشر في الرّسالة العامّة “بالرّجاء مخلَّصون” عن أنّ الحرّيّة تفترض أنّ كلّ إنسان في القرارات الأساسيّة هو بداية جديدة، وعلى الحرّيّة أن تُكتسب دائمًا من جديد في سبيل الخير. وبالتّالي فإنّ شجاعة المغامرة هي في المقام الأوّل فعل حرّيّة حسب ما واصل الكاردينال بارولين مذكّرًا بأنّ البابا فرنسيس خلال فترة الإغلاق الأولى بسبب الجائحة قد دعا الجميع إلى ممارسة هذه الحرّيّة حين تحدّث عن أنّ الأسوأ من هذه الأزمة هو إهدارها.
تابعت الرّسالة مشيرة إلى أنّ الجائحة وبينما فرضت التّباعد الجسديّ قد أعادت الشّخص إلى المركز، “أنا” كلّ شخص، مثيرة في حالات كثيرة تساؤلات أساسيّة حول معنى الحياة وعيشها، تساؤلات كان يتمّ احتواؤها وربّما حتّى تفادي طرحها. فرضت الجائحة أيضًا حسًّا بالمسؤوليّة الشّخصيّة حيث لم يتراجع كثيرون أمام المرض والألم والاحتياجات. وشدّدت الرّسالة على أنّ المجتمع في حاجة إلى أشخاص هم حضور مسؤول، فبدون أشخاص ليس هناك مجتمع بل تجمّعات عشوائيّة لأشخاص لا يعرفون لِم هم معًا، ويكون الرّابط هو فقط فردانيّة الحسابات والمصالح الشّخصيّة الّتي تجعلنا غير مبالين بأيّ شيء وبأيّ شخص. وتحدّثت الرّسالة أيضًا عن عبادة السّلطة والمال والّتي تجعل التّعامل مع أفراد لا مع أشخاص، أيّ مع “أنا” منشغل باحتياجاته وحقوقه الذّاتيّة لا مع “أنا” منفتح على الآخرين من أجل تشكيل الـ”نحن”، “نحن” الأخوّة والصّداقة الاجتماعيّة.
تطرّقت الرّسالة بعد ذلك إلى لفت البابا فرنسيس بشكل مستمرّ أنظار مَن لديهم مسؤوليّات عامّة إلى الميل نحو استخدام الأشخاص ثمّ إقصائهم حين لا تكون هناك حاجة إليهم، وذلك بدلاً من خدمة الأشخاص. وعقب ما عشنا في الفترة الأخيرة أصبح واضحًا بشكل أكبر على الأرجح أنّ الشّخص هو النّقطة الّتي يمكن أن ينطلق منها كلّ شيء مجدّدًا. وإلى جانب الحاجة إلى موارد وأدوات لتنشيط المجتمع مجدّدًا فإنّه من الضّروريّ في المقام الأوّل أن يتحلّى البعض بشجاعة أن يقول “أنا” بمسؤوليّة، لا بأنانيّة، مؤكّدًا بحياته إمكانيّة البدء برجاء. إلّا أنّ الشّجاعة، واصلت الرّسالة، ليست دائمًا أمرًا تلقائيًّا وخاصّة في زمن مثل زمننا حيث يلعب الخوف دورًا كبيرًا في تعطيل الكثير من الطّاقات والانطلاق نحو المستقبل الّذي يبدو غير أكيد وخاصّة للشّباب.
ثمّ تساءلت الرّسالة، وانطلاقًا من موضوع لقاء الصّداقة بين الشّعوب في ريميني “شجاعة أن أقول أنا”، من أين تأتي هذه الشّجاعة؟ وأجابت إنّها تأتي من اللّقاء، وواصلت مذكّرة بكلمات خادم الله لويجي جوساني والّذي أكّد على أنّه فقط في ظاهرة اللّقاء تُمنح المسؤوليّة للأنا لاتّخاذ القرارات والقدرة على الاستقبال والاعتراف والتّقبّل، كما وتنشأ هذه الشّجاعة أمام الحقيقة الّتي هي حضور. وتابعت الرّسالة أنّ الله بتجسّده قد منح الإنسان إمكانيّة الخروج من الخوف والعثور على طاقة الخير متّبعًا ابن الله الّذي مات وقام من بين الأموات. وأكّدت الرّسالة أنّ العلاقة البنويّة مع الآب تمنح قوّة للأنا محرّرة إيّاها من الخوف وفاتحة إيّاها على العالم بتصرّفات إيجابيّة. وذكّر الكاردينال بارولين بكلمات البابا فرنسيس في الإرشاد الرّسوليّ “فرح الإنجيل” حين أكّد أنّ كلّ خبرة حقيقيّة للحقيقة والجمال تتطلّع إلى الانتشار، وأنّ كلّ شخص يعيش تحرّرًا عميقًا يكتسب حساسيّة أكبر إزاء احتياجات الآخرين، وأنّ الخير يتأصّل وينمو حين يُنقل. ذكَّرت الرّسالة أيضًا بما كتب الأب الأقدس في الرّسالة العامّة “نور الإيمان”: “إنّ اللّقاء مع المسيح وترك النّفس لتلمسها وتقودها محبّته يوسّع آفاق الوجود ويهب رجاءً راسخًا لا يخيب. فالإيمان ليس ملاذًا لقوم خائفين، بل هو إثراء للحياة. إنّه يجعلنا نكتشف النّداء العظيم والدّعوة للمحبّة، ويؤكّد أنّ هذه المحبّة هي صادقة، وتستحقّ أن نستسلم لها لأنّ أساسها يقوم على أمانة الله، الأقوى من كلّ ضعفنا”.
وواصلت الرّسالة متأمّلة في كلمات بطرس ويوحنّا: “أَمِنَ البِرِّ عِندَ اللهِ أَن نسمَعَ لَكُم أَمِ الأَحْرى بِنا أَن نسمَعَ لله؟ اُحكُموا أَنتُم. أَمَّا نَحنُ فلا نَستَطيعُ السُّكوتَ عن ذِكْر ما رَأَينا وما سَمِعْنا”. وتابعت مذكّرة بكلمات البابا فرنسيس حين تساءل في إشارة إلى بطرس الرّسول ماذا حدث في قلب مَن أنكر الرّبّ، وأجاب الأب الأقدس إنّها عطيّة الرّوح القدس. شدّدت الرّسالة بالتّالي على أنّ المسيح هو المبرّر العميق للشّجاعة المسيحيّة، فالرّبّ القائم هو الضّمان الّذي يجعلنا نختبر سلامًا عميقًا خلال العاصفة أيضًا.
ثمّ ختمت الرّسالة الموجّهة إلى أسقف ريميني لمناسبة لقاء الصّداقة بين الشّعوب، والّتي تحمل توقيع أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، ناقلة رجاء البابا فرنسيس أن تقدَّم خلال اللّقاء شهادة حيّة انطلاقًا من الواجب الّذي تحدّث عنه الأب الأقدس في الإرشاد الرّسوليّ “فرح الإنجيل”، أيّ إعلان يسوع المسيح دون إقصاء أحد، لا كمن يفرض واجبًا جديدًا بل كمن يتقاسم فرحًا، كمن يدلّ على أفق جديد، وأيضًا التّحلّي بالشّجاعة للعثور على علامات ورموز جديدة وجسم جديد أكثر جاذبيّة. ينتظر قداسة البابا من اللّقاء، ختمت الرّسالة، أن يمنح الانطلاق الجديد الوعي بأنّ يقين الإيمان يضعنا في مسيرة ويجعل الشّهادة والحوار مع الجميع ممكنَين.”