نورسات الاردن: بقلم_القس راجي حلمي عطا الله
نعم، ما أمتع حديثي معك أيها السيد الرب.
حديثي مع الله هو حديث متصل وحوار ممتد منذ سنوات طويلة أجلس فيه أنا المعترف بذنوبه في حضرته فأجد غفرانا وصفحا يقبلني وبه يرفعني من خطيتي وسقطتي وأسرد فيه مخاوفي و أوجاعي فأجد رحمة وأنال نعمة عونا في حينه. وحديثي مع الله ليس هو حوارا أو حديثاً من طرف واحد، بل هو حديث بين اثنين، فيه نتبادل الآراء والأفكار وهو يكلمني ويعلمني ويقود ني ويرشدني الطريق التي أسلكها، كما أن حديثي مع الله متجدد دوما إذ أن دروب الحياة وتطورات الظروف والأيام تجعل لدينا كلانا ما نقوله لبعضنا البعض.
حديثي مع الله هو حديث بين أب وابنه، وهو كحديث بين محتار تائه دوخته الأيام مع مشير حكيم، أوبين تلميذ نابه بين يدي معلم قدير، أوكحديث جندي وفيّ تحت أمرة سيده وقائده، ومع هذا كله فهو ليس حديثاً رسميا أو انفعاليا أو متكلفا، إنما هو حديث هاديء ممتع ونافع.
حديثي مع الله ينقطع أحيانا من جهتي حينما أعثر أو اسقط أو أجرب أو أغفو، لكنه من جهة الله لي لا ينقطع أبدا. حديثي مع الله نتحدث فيه معا بحرية وانفتاح فأنا مهما عملت لا أخجل أبدا أن أصارحه بأحوالي، وعلى العكس تماماً فأنا إن كتمت خطاياي وضعفاتي أو إن حاولت أن أحمل احمالي واثقالي وحدي فإنني أنوء تحت ثقلها، لهذا فقد دربني الله ـ وهذا هو انتظاره مني دوما ـ أن أجري عليه باستمرار في كل ظروفي الجيد منها والسيء.
حديثي مع الله متنوع الوسائل والأساليب، فهو يكلمني بالطبيعة من حولي وأنا أرى يده الرائعة صنعتها وتديرها بحكمة واقتدار كما انني أراه يكلمني في قلبي وفي أحوالي وعن طريق ما يدور حولي من أحداث وظروف، وعبر أحداث وأشخاص وملابسات كثيرة، كما أنه يكلمني دوما من كلمته المقدسة التي أحرص أن أقضي معها وقتا يوميا ولو تعطلت عن ذلك فإنني أفقد اتزاني وسلامي حتى أعود من جديد. حديثي مع الله يسير عبر طرق ودروب متعددة ومتنوعة بينها الحلو والمر والصالح والطالح والرحب والضيق لكنه في هذه كلها موجود دوما و يكلمني وهذا يكفيني بل يزيد. حديثي مع الله متنوع ومتشعب في طبيعته وطريقته وظروفه فهو يشمل مواضيع عدة وفيه نتحدث عن أمور وأشخاص وأحداث، وكلما اقتربت من الله أكثر، فإنّ حياتي تسمو وترتفع عن صغائرها وشهواتها ورغباتها أكثر فأكثر، وأجد نفسي أسير في نفس خطى سيدي في محبة الرب والنفوس وبذل الغالي والرخيص لأجلهم جميعا.
في حديثي مع الله لا تسير الأمور دوما بسلاسة أو كما أرغبها، ولا بد لي أن أعترف بذلك، فكثيراً ما أساله أسئلة ولا أتلقى عنها أية إجابات، وكثيراً ما أشعر بيده تقسو علي وتعصرني عصرا، لكنني تعلمت كيف اترنم: “ألخير من عند الرب نقبل والشر لا نقبل؟!” وأنا على أي حال أثق أنه ما من شر يمكن أن يأتيني من يد الله، وأنه وإن كان احيانا يقسو عليّ فذلك كأعظم من أعظم أب ارضي عرفته يقسو على أولاده لمصلحتهم ولكي يقومهم ويؤدبهم ويصلب عودهم، لكن إلهي يعود فيحتضن ويمسح الدموع ويواسي ويداوي بأعظم وأحنّ من أكثر أم أرضية عرفتها طيبة وحنوا، وأنا أُسلّم بثقة تلك الأسئلة التي تظل بلا إجابات سماعا صوته وهو يقول لي: ” لست تفهم الآن ما أنا فاعل لكنك ستفهم فيما بعد”، وأمر كهذا يدرب إيماني ويعضد ثقتي فيه. والرب أحيانا يكلمني بصوت عال عاصف كعصف ريح أو كزوبعة آتية، وأحيانا أخرى يكلمني بصوت بسيط لطيف خفيف منخفض وهامس. والله مرات يكلمني بوضوح كسطوع الشمس وقت الظهيرة و مرات اخرى يختلط علي الامر وكان السحب قد حجبت صوته عني او كأنه تباعد او اختفى او تخلى عني، فإذا بي اجفل وارتجف حتى يعود حديثي معه حلوا وصافيا من جديد.
حديثي مع الله لا ينقطع وأنا أدرك تماماً أن انقطاعه فيه هلاكي ونهايتي لذا أسعى دوما لتطويره كما وكيفا. حديثي مع الله علمه محبة وأشواق وحب واستمتاع وقيادة علوية، وما أحلى أن يتكلم الله. وهو حديث لن ينتهي حتى وإن انتهت حياتي هنا على الأرض، لكنه سيتواصل في الأبدية حول العرش مع جميع محبي الرب.