الأمكِنةُ المُخصَّصة للاعتراف متوفرةٌ في الكنائس لكن ثمَّة مُلاحظات!

نورسات الاردن :بقلم: حنَّا ميخائيل سلامة نُعمان




مِن المُتعارف عليه والمُسَلَّمِ به أنْ تكونَ في الكنائس كلّها أمْكِنَة ومقرَّات مخصصة للاعتراف وهذا أمرٌ طبيعي، بل وَسُنَّةٌ ليست موضع جدالٍ أو اجتهاد، لكن أليسَ ينبغي لتحقيق سبب وجودها وتموضِعِها أن يكون فيها على أُهِبَّة الاستعداد مَن استرعاهم الله ليحفظوا ويتعهدوا رعاياهم مِن الآباء الكهنة لاستقبالِ في مواقيتَ مُحدَّدة يُعلَنُ عنها وَيُعمَّم مَن غايتهم الاعتراف نيلاً للغفران، وقَبول الرحمة الإلهية لخلاص نفوسهم؟ ويكونُ هذا بعدَ إقرارٍ مِنهم عند كرسي الرحمة الإلهية بما تَعَدَّوا فيه على وصايا الله أولاً، ولِما خالفوا فيه وصايا الكنيسة الجامعة المقدسة الرسولية ثانياً، راجينَ بعد ندمٍ وتوبة صادقة الصَّفْح ليرفعهُ الكاهن للآب السماوي استمطاراً لرحمته بالسُّلطان المُتميِّز النابض بالمحبة الذي نَالَهُ الكاهن بإنعامٍ من المسيح عينهِ القائل لتلاميذه ورُسُلِه وخلفائهم من بعدهم:” خذوا الروح القُدُس مَن غفرتم لهم خطاياهم تُغفر لهم ومن أمسكتم عليهم الغفران يُمسكُ عليهم” كما جاء في انجيل يوحنا. ويُعيد المسيح ذلك قائلاً لبطرسَ:” سأعطيكَ مفاتيح ملكوت السنوات فما ربطتَه في الأرض رُبِط في السماوات وما حللتَهُ في الأرض حُلَّ في السماوات” انجيل متى.
إنَّ توفُّر أمْكِنَة ومقرَّات مخصصة للاعتراف في الكنائس ينبغي ألاَّ يكون ذلك لزمنٍ مَوسِمِي فحَسْب، فيُصارُ للتركيز عليها والتشديد في الأعياد فقط، وأخُصُّ هنا قُبَيْل العِيدَيْن الكبيرَيْن الميلاد والقيامة وفي حالاتٍ عند مناسبات دينية أخرى حيثُ يُنادى على معشر المؤمنين عن وجود كهنةٍ لِقَبولِ الاعترافات. وفي ظنِّي أنَّ هذا الأمر الذي إذا أُضيفُ اليه تَفَهُّم الكثيرين المغلوط للوصية الرابعة من وصايا الكنيسة السَّبع:” اعترف بخطاياك قلَّما يكون مرةً واحدةً في السَّنة” يُشجع ذلكَ كله ضِمْناً نسبة كبيرة لِيُراكِموا الخطايا التي تتطلب اعترافاً لتغيير نهج حياتهم إلى ذلك الحين المَوْسِميّ! وَمَن يدري ومَن يَضمَن مَن يؤجل على نفسه التوبة وقبول الرحمة الإلهية وَسَهم المنايا يخبط “خبطَ عشواء” فينال هذا ويُمهِل ذاك!
إن معرفة معشر المؤمنين لمواقيت الاعتراف وأوقاتها على مدار أيامِ الأسبوع وفي مُختلف الكنائس مسألة بالغة الأهمية وضرورة مُلِّحَة في نظري وستأتي إنْ فُعِّلَت بنتائج رائعة، ذلك أنها تُحفِّز من يريد الاعتراف التوجه للكنيسة التي تقع في محيطه السَّكَني أو التي اعتاد الذهاب إليها، والأهَمّ من هذا تُشجِّع مَن يكون في طريقه أو في مَرْكبته فيجد كنيسة قريبةً في أيّ منطقة فيُعرِّج عليه للاعتراف. وفي السياق، ليس على حقٍ أن يَبرُزَ مَن يقول مَن يريد الاعتراف فليطلب ذلك أو- فليُهاتف- فالمسألة ليست لِحَلِّ رغبةِ فردٍ وانتهت المُهمة، بل المُراد أن يتدفق معشر المؤمنين إلى كراسي الاعتراف تجديداً لحياتهم ولنيل النِّعَم وقد حفزهم إلى هذا إيمانهم بقول المسيح وقولهُ حقٌ: ” توبوا..” وقوله أيضاً: ” يكونُ فرحٌ في السماء بخاطئٍ واحدٍ يتوبُ أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلى توبة “.
ثمة ملاحظة تتعلق بمَرأى جُموع المتوجِّهين- وَحاشَا لِلَّه أنْ أدينَ منهم أحداً- لتناول القربان المقدس وليسَ مَن يسترعي انتباههم، بل وَيُوقِظهم إلى قول الرسول القديس بولس ” فأيُّ إنسانٍ أكلَ خبزَ الرب أو شربَ كأسَهُ وهو على خلاف الاستحقاق فهو مُجرِمٌ إلى جَسد الرب ودمهِ” ويُضيف:” “فليختبر الإنسانُ نفسَهُ وهكذا فليأكل مِن هذا الخبزِ ويشرب من هذه الكأس لأن مَن يأكلُ ويشربُ بدون استحقاق يجلب دينونة لنفسه إذْ لم يُميز جسدَ الرب”. وعلى ما سبق وكيلا يقول قائلٌ تتم تلاوة صلاة ” أنا أعترفُ..” قبل المناولة وهذا يكفي! غير أنني أردُّ: حسْبُكَ أن ترقُبْ آلية تلاوتها وكيف تُتلى على وجه السرعة فَتُعْجَنُ الكلمات الواردة فيها عَجْناً دون تركيزٍ وتأمل وتوبة وخشوع!
في معْرِضِ حديثهِ عن حجم المتقدمين لنيل سرِّ الاعتراف يقول الراحل الأب المُفكِّر ميخائيل معوض من الرهبانية الأنطونية والمنتقل إلى الأخدار السماوية سنة1986: “مئات الاعترافات هذه الليلة! ولعل بعضها يأتي بعد غياب سنين، وقد تكون مِن الضرورة بحيث تُخلص مِن ورائِها نفوس وتتحرر بها ضمائر، وأنا وَحْدي هنا، والنفوس جائعة وكرسي الاعتراف بالانتظار”. ويقول أيضاً “إن أجمل وأثمر ساعة في حياة الكاهن تتمثلُ حين يجلس في كرسي الاعتراف فهو بهذا يُقرِّب النعمة ويُخلص النفوس ويزيل من ثقل الخطايا ويريح الضمائر المُتعبة”.
يبقى أن أقول إذا ما طالعنا سِيَر القديسين مِن آباءَ كهنة ودرجات كهنوتية أخرى مِمَن أفرغوا ذواتهم وجعلوا كُرسي الاعتراف قِبْلَتهم، نجدهم وقد عَكَفوا في رُكن الاعتراف مِن مطلع الفجر لساعاتٍ مِن الليل شتاءً وصيفاً غيرَ آبهِين َمِن الانتظار ومعتبرينَ خلاصَ نفسٍ واحدة إن حَضَرت مَغنَماً “لِفَرح السماء أكثرَ مِن تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلى توبة”. وأختم بقول القديس أوغسطينوس “إنَ حُزننا لموت نفسٍ يجبُ أن يفوقَ حُزننا لموت الجَّسَد”.

الاعترافنورسات الاردن