نورسات الاردن
نشرت مصادر الفاتيكان بياناً بالغ الحساسية والأهمية عن أنّ 216000 فضيحة جنسية ارتكبت مع الأطفال من قبل الكهنة الفرنسيين ما بي عامي 1950 و2020 وهو رقم فضائحي يفوق العقل المسيحي على استيعابه.
ليس للرقم نفسه على أهميته وضخامته ولكن للفضائح نفسها لطبيعتها المتناقضة مع الإرادة الإلهية من جهة، ومع مسيرة الكنيسة والفاتيكان من جهة أخرى. إذ كيف يتسنى لكاهن يعرف فداحة الخطيئة ومع ذلك يرتكبها؟ وإذا ما حلَّلَنا هذه الفضائح ووضعناها ضمن الدائرة البشرية وضرورة تلبية الإنسان لحاجاته البشرية وأعني إرضاء الشهوة الجنسية عَلِمنا أنه من الصعب حرمان الجسد من تلبية هذه الضرورات الجسدية. لكن إذا ما وضعنا هذه المسألة ضمن التحليل الديني فالأمر يختلف كلياً إذ أنّ ما قاله الرسول بولس حول صيانة النفس والجسد بالعزوبية يُصبح التناقض واضحاً. فالإغتصاب أو حتى الرضى في مثل هذه الحالات لا يخضع للحاجات البشرية أو الإمتناع عن تلبية الإحتياجات البشرية في المسائل الجنسية، خاصة في المفهوم اللاهوتي الرسولي، والتناقض قد يدفع بإرتكاب الجرائم الجنسية كل ما اشتدت الحاجة إليها.
يقول بولس الرسول من استطاع منكم أن يكون مثلي أي أن يكون عاذرً “أي عذراء” فذلك أفضل رغم حديثه عن الرجل والمرأة ورغم مباركة السيد المسيح للزواج فإن العزوبية أفضل، ولكن هل يبقى المرء محروماً أو بعيداً عن إمكانية تحقيق حاجاته الخاصة؟ وقبل أن نجيب على مثل هذا السؤال علينا أن نتذكر القسم الذي يقيمه الكاهن على نفسه يوم يصبح كاهناً. فالزنا من الخطايا الكبرى، والسؤال الآن هل عزوبية الكاهن تبرر ارتكاب مثل هذه الأعمال؟ هنا يجيب البابا فرنسيس أن الكنيسة الكاثوليكية إذ تسير بأحكام الله تدين هذه الأفعال، وهي أفعال مخلة بالقانون الكنسي، ومخلّة بالقسم الكهنوتية، ومخلة لإرادة الله في رسله، إذ على الكاهن أن يكون نموذجاً مثالياً لغيره من البشر، لكنّ الكنيسة لا تستطيع أن تضع حلولاً بشرية لمثل هذه المسائل، لكنها لا تستطيع أن تجترح حلولاً إلهية. لكن الكنيسة ليست عاجزة عن وضع الحلول الأرضية التي لا تخالف القانون الإلهي. إن علاقة الرجل بالمرأة هي علاقة مقدسة وعلاقة الكاهن بالناس سيما بالأطفال يجب أن تكون فوق الحاجات البشرية. ومشكلة الإنسان هي مع نفسه وليس مع الحياة ومشاكلها، وهذه مأساة الإنسان.
ولعل المأساة تكمن في نفسها، فإنَّ فهم الحياة على هذا الشكل أمر مستحيل، لذلك فالتناقض في الحياة أمر طبيعي لتسير الأمور. أما البحث عن الأخلاق فذلك أمر لا يستقيم مع الواقع المعاش الذي سارت عليه الحياة بلا أخلاق. فلا أخلاق في الواقع ولا ضمير ولا تقوى، وكل شيء في الدنيا يسير بخلاف وصايا الله وبخلاف الهدف الذي تجسّد لأجله.