نورسات الاردن
يأتى عـيد دخول السيد المسيح أرض مصر هذا العام فى وسط اهتمام كبير من الدولة بمشروع تطوير وتنمية مسار رحلة العائلة المقدسة، حيث يشهد هذا المشروع مجهودات متواصلة من مجلس الوزراء ومن وزارات السياحة والآثار والتنمية المحلية وغيرها، واعتباره مشروعاً قومياً تتضافر فيه كل جهود الوزارات والهيئات وكل أجهزة الدولة. وتقديراً لهذه الجهود أورد المجمع المقدس للكنيسة القبطية فى مقدمة البيان الصادر عنه يوم الجمعة 18 مايو 2018م أنه: يقدر ويثمن الجهود المخلصة التى تقوم بها الدولة لإحياء مسار العائلة المقدسة بما يجعله أحد المعالم الأثرية المهمة فى السياحة الدينية بمصر.
لقد قدمت مصر الحماية والأمان منذ القديم لكل من جاء إليها عــبر العـصور، وما زالت مصر هى الحامية والحارسة لمبادئ التعايش السلمى وقيم التسامح وقبول الآخر، وعلى أرضها تعايشت الثقافات والحضارات معـاً رغم تعددها وتنوعها. وإليها جاء الرحالة والزوار والسائحون عـبر العصور من بلاد عديدة ومن جنسيات متعددة، لكى يتباركوا من آثار العائلة المقدسة بها، مما جعلها مقصدًا وهدفاً للزائرين والرحالة والسائحين، يدخلون إليها ويتجولون فيها فى أمن وأمان واطمئنان، ويتركون لنا وللأجيال القادمة تراثاً عظيماً بلغات متعددة يشمل كتاباتهم ومشاهداتهم ومذكراتهم ومؤلفاتهم وانطباعاتهم عن رحلاتهم وجولاتهم فى أرض مصر المباركة.
والكنيسة القبطية تشارك مع جميع أجهزة الدولة فى الإعداد والاستعداد لاستقبال القادمين إليها لزيارة مواقع رحلة العائلة المقدسة، ومن ذلك: إعداد الدراسات اللازمة، والمؤلفات والكتب والمقالات التى توثق تاريخ المسار والمواقع، والدورات الدراسية والثقافية لإعداد المرشدين السياحيين، وإعداد الايقونات والأعمال الفنية، وإعداد البرامج اللازمة، والمشاركة فى أعمال اللجان وورش العمل، والزيارات الميدانية والمعاينات، ومنها اللجان الوزارية، واللجان التخصصية، واللجنة العلمية التى تواصل عملها للإعداد لتقديم ملف رحلة العائلة المقدسة لليونسكو للاعتراف بها ضمن مواقع التراث الإنسانى العالمى .
ورحلة العائلة المقدسة هى من المميزات المهمة التى تتفرد بها بلادنا مصر حيث تباركت مصر بزيارة السيد المسيح ووالدته العذراء مريم والبار يوسف النجار، وتنقـلوا خلال هذه الرحلة فى أرض مصر، شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا.. وفوق روابى ووديان أرض مصر الطيبة، وعلى ضفاف نيلها العـظيم، وجدت العائلة المقدسة الأمان والحماية. ومنحت العائلة المقدسة البركة لأرض مصر وشعبها «مُبَارَكٌ شَعْبِى مِصْرُ» (إشعياء 19 : 25) .. واستطاعت الإرادة الإلهية أن تحول آلام ومشقات هذه الرحلة الطويلة والشاقة إلى بركات روحية لأرض مصر، إنها قوة العمل الإلهى الذى يستطيع تحويل الضيقات والمشقات إلى خير وبركة ومن ذلك نتعلم أن التدبير الإلهى يعلو فوق التفكير البشري.
ورحلة العائلة المقدسة لأرض مصر تغرس وترسخ فى أنفسنا قيما روحية وإنسانية واجتماعية، منها قيم إضافة الغرباء وإكرام الضيف وقبول الآخر، كما توجه أنظارنا نحو المتألمين واللاجئين والنازحين من مخاطر الحروب والنزاعات، ونحو الذين بلا سكن ولا مأوي، ومنهم الأطفال الذين بلا مأوى. والاهتمام بمساعدة ومساندة كل المتعـبين والمحتاجين وكل الذين ليس لهم أحد يذكرهم، وكل الذين يتعرضون لقسوة الجوع أو العطش أو للظروف المناخية القاسية أو الذين يعيشون فى العـراء أو الخلاء، أو الذين يتعرضون للمجاعات أو للجفاف أو للكوارث بأنواعها.
لقد كانت هذه الرحلة هى سبب بركة لبلادنا مصر فى الماضى والحاضر والمستقبل، كانت بركة فى الماضى لأنه خلال هذه الرحلة كانت الأصنام والأوثان تسقط وتتحطم. وشعر الوثنيون بأن هيبة معبوداتهم قد سقطت، وأن هناك قوة إلهية أقوى من أوثانهم ومعبوداتهم.
وما زالت هذه الرحلة بركة فى الحاضر لأننا ما زلنا نحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة إلى مصر سنوياً (1 يونيو / 24 بشنس)، مع تذكارات واحتفالات أخرى محلية تقام بكل موقع من مواقع المسار، وما زلنا نتبارك بزيارة الأماكن المقدسة التى تقع فى مسار رحلة العائلة المقدسة.
وهى أيضاً بركة للمستقبل لأن العمل على الاهتمام بمسار العائلة المقدسة هو من عوامل الجذب للسياحة الدينية فى مصر. كما أن زيارة هذه الأماكن المقدسة تساعد روحياً على تقوية الإيمان لدى كل إنسان.
والكثير من المصريين يشعرون ببركة وجود العائلة المقدسة معهم فى كل يوم لأن بعضهم يسكن فى المناطق أو البلاد التى زارتها العائلة المقدسة، وبعضهم الآخر يواظب على الصلوات والتسابيح فى الأديرة والكنائس التى أقِيمت فى مواقع مسار هذه الرحلة المقدسة .