نورسات الاردن
أريد أن أكلمكم اليوم عن موضوع “دموع الله”. قد تكون هذه الكلمة ثقيلة على الأذن: هل الله يبكي؟! هل الله له دموع؟! كل ما ذُكرَ عن دموع السيد المسيح له المجد، ذُكر في هذا الأسبوع بالذات. السيد المسيح له المجد بكى ثلاثة مرات في هذا الأسبوع:
متى بكى الرب يسوع؟
1- دموع السيد المسيح يوم جمعة ختام الصوم
يوم جمعة خِتام الصوم ذُكرَ أنه بكى على أورشليم وقال مقولته التي سمعناها عدة مرات في هذا الأسبوع: “يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا” (مت 23: 37، 38)، (إنجيل لوقا 13: 34، 35).
2- دموع السيد المسيح يوم سبت لعازر
يوم سبت لعازر سمعنا نص إقامة لعازر، ووجدنا في حكاية إقامة لعازر دموع أخرى! فعندما ذهبوا إلى القبر (مريم ومرثا ومعهما الرب يسوع)، بالطبع مريم ومرثاانفجرتا في البكاء، فبكى يسوع! لدرجة أن بعض الناس الذين تأثروا بهذا المنظر قالوا: “انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ” (يو 11: 36)، والبعض الآخر قال: “أَلَمْ يَقْدِرْ هذَا الَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ الأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هذَا أَيْضًا لاَ يَمُوتُ؟” (يو 11: 37).
3- دموع السيد المسيح يوم خميس العهد
ثم يأتي علينا يوم خميس العهد، وتكون الدموع كالسيل، وإن كانت هذه الدموع لم تذكرها الأناجيل، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فجميعكم تعلمون أن ما ذُكِرَ في الأناجيل عن يوم خميس العهد هو أن الرب يسوع في صلاته كان عرقه ينزل كقطرات الدم: “وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ” (لو 22: 44). ولكن الذي أشار لدموع السيد المسيح أو بكاءه هو القديس بولس حيث قال: “الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ،” (عب 5: 7). فبولس الرسول هو الذي أزاد على ما جاء بالأناجيل فكرة أن المسيح في هذه الليلة لم يكن فقط عرقه كالدم، ولكنه أيضاً كان يبكي!!
هل بكى الرب يسوع يوم الجمعة العظيمة وهو على الصليب؟!
الغريب أنه في يوم الجمعة الكبيرة وهو على الصليب، لم نسمع أي إشارة عن دموع أو بكاء!
فدعونا نتأمل متى يبكي الله؟ ولماذا يبكي؟ وكيف نبكي معه؟ هذه القصة ستفرق معنا إذا عشنا فيها.
2- هل يبكي الله؟!
الله في تجسده كان كاملاً في ناسوته وفي بشريته، وشابهنا في كل شيء!
+ عبارة “بكاء الله” قد تسبب انزعاج لبعض الناس! فهل الله يبكي؟! البكاء في منظور البشر علامة ضعف! علامة عجز! فهل الله ضعيف؟!
+ سنسمع الرد يوم الجمعة العظيمة في اللحن الشهير `O monogenyc: “أمونوجينيس” “قدوس يا من أظهر بالضعف ما هو أعظم من القوة”. هو أظهر ضعف ولكنه أقوى من كل قوة. فأظهر بالضعف ما هو أعظم من القوة
+ وهذه العبارة منسوبة للقديس بولس عندما قال: “ضَعْفَ اللهِ أَقْوَى مِنَ النَّاسِ” (1كو 1: 25).
طبعاً كلمة “ضعف الله” كلمة ثقيلة أيضاً! فهل الله ضعيف لكي نقول عنه هذا؟! هو أظهر. أظهر ما يظهره الإنسان العادي. لأنه كما قال القديس بولس: “كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ” (عب 2: 17).
+ لا يمكن أن يكون المسيح إنسانًا كاملًا في ناسوته وكاملًا في بشريته، ولا يبكي! لا يوجد إنسان يعيش طوال حياته دون أن يبكي. مَنْ لا يبكي، لا يكون إنسان طبيعي، لكن المسيح إن كان قد اختار أن يتجسد، تجسد حقيقي أي ناسوت كامل، وبشرية كاملة، لا بُد أن يشارِكنا البكاء، وإلا تكون القصة غير حقيقية!
فعندما نقول: “دموع الله” لأننا نؤمن أن المسيح ربنا، وإلهنا، ومخلصنا، وهو فادينا، وهو خالقنا، وهو كلمة الله المتجسد.
يسوع المسيح كلمة الله المتجسد شابهنا حتى في ضعفنا وتأثرنا وبكاءنا:
+ بعض الآباء قالوا: “قبل التجسد كان الإنسان يتصور أن الله قوي، وعظيم، لكن -إلى جانب هذا أيضاً- متعالي على الضعف البشري. أبعد كثيراً من أن يبكي كما يبكي الإنسان.
+ فأراد الرب أن يُوضح الصورة، أنه كإله، كله حب. لا يمكن أن يكون هناك حب، دون ألم! لا يمكن أن يكون هناك حب، دون دموع! لا يمكن أن يكون هناك حب صادق دون مشاركة! فالله يبكي، وكم يبكي الله؟! يبكي كثيراً!
+ لكن طبعاً بالنسبة لألوهيته فلا علاقة لها بالدموع. اللاهوت لا يبكي، ولا يتألم، ولا يموت.
+ ولكن بتجسده صار قابلاً للموت، والألم، والدموع، والجوع، والعري. أصبح بحكم إنسانيته قابل لكل شيء، كما نتقبله نحن.
دعونا نستعرض الثلاثة مواقف التي بكى فيها السيد المسيح له المجد، لكي نفهم ربنا أكثر. لأن ربنا لا يبكي كما نبكي نحن عادة.
هناك ثلاثة أسباب تُحْزَن قلب الله:
أولاً: فتور المحبة (محبة الإنسان لله، ومحبته للناس)
+ أول موقف جعل المسيح له المجد يبكي، عندما كان نازلاً من على جبل الزيتون، وأورشليم مكشوفة أمامه ، فبكى!
أورشليم مدينة السلام
+ جبل الزيتون عالي إلى حد ما، والنزول منه لأورشليم يجعلها مكشوفة. وأورشليم هي مدينة الملك العظيم.
+ هي أور سليم، أي “مدينة السلام” יְרוּשָׁלַיִם، وكان المفروض أن تكون كذلك.
+ وهي إشارة إلى قلب الإنسان، وإلى ملكوت الله، وإلى الكنيسة.
كبرياء أورشليم وعنادها:
+ لكن أورشليم للأسف لم تعش كما أراد لها الرب! فعندما بكى المسيح، بكى بسبب الجملة التي قالها: ” كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! ” (مت 23: 37).
الله يريد أن يضم جميع أولاده تحت جناحي الصليب:
+ ماذا يبكيك يا رب؟ يُبكي إلهنا أن يظل الإنسان يجري (يهرب) منه! ويقاوم مشيئته!
تخيلوا معي التشبيه الذي ذكره لنا الرب يسوع، عندما تحاول الدجاجة أن تجمع فراخها تحت جناحيها، ولكن أحداها يكون عنيداً ويريد أن يسير بعيداً ويسرح! فتأتي به مرة ثانية، ولكنه يهرب مرة أخرى!
+ هناك سببين يجعلان “هذا الكتكوت” لا يستكين تحت جناحي الأم:
إما أن معيشته تحت جناحها لا تعجبه، لا يعجبه الانتماء للأم.
أو أنه يريد أن يبتعد عن “كتكوت” آخر موجود تحت جناحي الأم، لأنه لا يحب أخاه!
شرطان يجب أن يتوافرا للبقاء تحت جناحي الصليب:
+ ببساطه، الله يريد أن يجمع كل البشر تحت جناحيه، وهذا يتطلب شرطين:
1- حُب الله.
2- حُب الناس.
” بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ” (مت 22: 40).
+ المسيحية كلها تتلخص في هاتين الكلمتين. ” تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ… ، تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ” (مت 22: 37)، (مر 12: 30)، (لو 10: 27)… . إذا أحببت الرب ستدخل تحت جناحيه، وإذا أحببت أخوتك ستفرح باجتماعك معهم. ستفرح بأن تكون أنت وإخوتك تحت الجناح. ” مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعًا!” (مز 133: 1).
لكن أغلب البشر لا يعجبهم أن يدخلوا تحت جناحي الرب، ولا يعجبهم أن يقتربوا من بعضهم البعض، ويحبوا بعضهم البعض.
عالمنا الفقير في المحبة!
+ قضية الحب هي التي تُبكي المسيح دائماً، الناس لا تحب بعضها البعض! فإذا ألقينا نظرة على العالم اليوم، سنجد أحواله محزنه! العالم يدعو للبكاء! أحوال العالم اليوم، كل أورشليم تستحق الدموع! لماذا؟!
+ العالم يتصارع: أغنياء ضد فقراء، وأقوياء ضد ضعفاء، وشعوب تُصدر الشر، وتُصدر الإرهاب، وعداء الإنسان للإنسان، وقسوة من الإنسان تجاه أخيه الإنسان، وإدعاءات كاذبة، واستغلال كل طرق الباطل لتحطيم الآخرين!
+ ما هذا العالم؟! ماذا حدث لهذه الدنيا (إيه اللي جرى في الدنيا)؟! العالم وُضع في الشرير، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. يستحق بكاء الله. لأن ليس هذا ما خلقه الله.
إلهنا إله المحبة، يريد أولاده مُتحدين معه في المحبة
+ الله لم يخلق الناس من أجل الصراع والكراهية! ربنا خلق الناس لكي يحبوا بعضهم البعض، ويحبوه. وهذا هو ما سيقوله يوم خميس العهد: أريد أن يكون الجميع واحداً، ” لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا،… وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ” (يو 17: 21).
+ إذا كنا لا نعرف كيف نحب ربنا، ولا نعرف كيف نحب بعضنا البعض، فلا بد أن يبكي المسيح!
الله يحترم إرادتك، فاحذر لئلا تُبكيه بكبريائك وقسوتك وعنادك!
+ ويبكي لأنه يرى المصير، ولا يقدر أن يمنعه. وكلمة “لا يقدر” أيضاً ثقيلة على الأذن! فما معنى أن الرب “لا يقدر”، هل الله “لا يقدر”؟! الله يقدر على كل شيء، لكنه لا يتحكم في إرادة الإنسان أبداً، ” كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ،… وَلَمْ تُرِيدُوا!”. فيقف وكأنه عاجز، أمام غرضه الذي لا يتحقق! لماذا؟! بسبب قسوة الإنسان، وعنده، وأنانيته، وكراهيته، وفرديته.
+ إحذروا يا أحبائي لئلا نكون ضمن الأسباب التي تُبكي المسيح! احذر لئلا تكون من الرافضين، ترفض وضع رأسك تحت جناحي الرب!
أدخل تحت جناحي الصليب، واحتمي به
+ بالطبع تعرفون الآية التي تقول: ” بِظِلِّ جَنَاحَيْكَ أَحْتَمِي ” (مز 57: 1).
+ يعني إحنا كلنا علينا أن نضع رؤوسنا تحت الصليب، ونلتصق بالصليب، ونحتمي به. هو الذي يُغطينا، ويستر علينا، ونردد قائلين “ثوك تاتي جوم Qwk te ;jom، و يا رب ارحم Kurie
ele`hcon. ونقوله يا رب نحن لا نستحق ولا يصح أن ندخل السماء، ولكن من خلال صليبك ندخل، ليس لنا سواك يا رب، عمانوئيل إلهنا وملكنا…”.
جيد أن نضع رؤوسنا تحت جناحي الصليب،
ونُحب رب المجد يسوع،
فبذلك نكون قد نفذنا أول شرط،
فيكون هو حياتنا، وهو رجاؤنا، وهو خلاصنا وهو قيامتنا.
تحت الصليب عليك أن تحب الجميع وتقبل الجميع:
+ أما عن الشرط الثاني فهو: فعندما تأتي لتضع رأسك تحت جناحي الرب، ستجد هناك أخوك الذي جاء أيضاً ليضع رأسه.
+ لكن أخوك هذا قد يكون مختلفًا عنك في الطبع،
وقد يكون مختلفًا عنك في البشرة،
وقد يكون مختلفًا عنك في السن،
وقد يكون من طبقة أخرى مختلفة عن الطبقة التي تعيش فيها أنت،
وقد يكون له ظروف أخرى مختلفة عن ظروفك،
+ قد يكون هناك خلاف قديم بينكما!
أو قد يكون تعدَّى على أحد حقوقك،
أو كثيراً ما أخطأ في حقك،
وقد يكون أهانك وتسبب في ألمك!
لكنه جاء أيضاً ليلتصق بالصليب ويضع رأسه تحت جناحي الرب طالباً الغفران، وشهوة قلبه دخول السماء. فهل عندما تراه ستظل تحت الجناح؟! أم أنك ستخرج مثل “الكتكوت” العنيد، رافضاً البقاء معه في مكان واحد! ألا تريد السماء؟! ألا تريد الأبدية؟! هل تختار الخراب لنفسك؟! يا حبيبي حب أخوك!
مثل الابن الضال يُظهر عناد الابن الأكبر وعدم محبته لأخيه!
+ هذا الرفض للآخر، وعدم محبة الآخر، ظاهر جداً في مثل الابن الضال.
+ فالأب له صدر واسع أراد أن يجمع بالحب ابنيه، مد يده ليأتي بابنه الضال بمجرد أن رآه من بعيد، ركض ليأخذه في حضنه.
+ ثم مد الأخرى ليضم الابن الأكبر أيضاً، ولكنه رفض! ليس لأنه كارهاً لأبيه، بل لأنه كارهاً لأخيه! وظل الأب يُحايِل ابنه قائلاً: “يَا بُنَيَّ أَنْتَ مَعِي فِي كُلِّ حِينٍ، وَكُلُّ مَا لِي فَهُوَ لَكَ، وَلكِنْكَانَ يَنْبَغِي أَنْ نَفْرَحَ وَنُسَرَّ، لأَنَّ أَخَاكَ هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالُا فَوُجِدَ” (لو 15: 31، 32). أخوك! كان المفترض أن يكتمل فرحك بمجيء أخوك البعيد الذي كان إنساناً غير صالح، كان إنساناً ميتاً ثم قام! كان ينبغي ألا تنظر إلى ما فعله بك، سواء سرقك! أو ضيعَّك! أو أذاك! أو جرحك! أنا مجروح أكثر منك أضعاف، ولكني فرحان برجوعه! افرح به، لأنه ” كَانَ يَنْبَغِي أَنْنَفْرَحَ وَنُسَرَّ “.
+ وظل الابن الأكبر خارج الجناح، وكان سبباً لبكاء هذا الأب!
إذا كان الله يُحبنا رغم كل عيوبنا وخطايانا، أفلا نحب بعضنا البعض؟!
+ فرحتك يا رب لا تكتمل!
بقدر فرح الرب بخاطئ واحد يتوب، بقدر ما يبكي على كل قلب قاسي يرفض الناس!
+ نحن نضع شروطنا! (أنا مش هقبلك، غير لمَّا تبأه كويس)!
إذا كنت تفكر بهذا المنطق، فأنت تُضيع نفسك، أنت تخرب على روحك! “هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا” (مت 23: 38)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ربنا قابلك وإنت مش كويس!
ضع رأسك تحت جناحيّ الصليب، وقل لأخيك:
“أخي، سأقبلك مهما كنت، لأن المسيح قبلني بحالي،
سأقبلك مهما كنت،
لأن الرب أحبني رغم كل ما فعلت،
سأحبك مهما فعلت بي، لأني أنا وأنت لنا مصير مشترك.
إما أن ندخل معًا تحت الجناح،
وإما أن أهلك بسبب رفضي لك!
احذر! عدم محبتك للآخرين ستكون سبب هلاكك!
+ أحبائي، نحن كمسيحيين أحياناً، نُوفق في الوصية الأولى ” تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ “، ونعجز أمام الوصية الثانية ” تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ”.
+ أحياناً نحن نستسهل الصوم، ونستسهل الصلاة، ونستسهل الذهاب للكنيسة (نردد معاً ثوك تاتي جوم Qwk te ;jom، ونقرأ مزامير وألحان، وحاجات حلوة، …،)، ولكن يصعب علينا جداً التسامح مع من أخطأ في حقنا، أو من تسبب في إغاظتنا بصورة أو بأخرى، قد يصعب علينا تقبل أشخاص معينين! ونحن في كل هذا نظن أننا قمنا بدورنا نحو الله في الصلاة والصوم وحضور البصخات صباحاً ومساءً!
لا يا حبيبي، لأ، لأن جزء من بكاء المسيح هذا الأسبوع كان بسبب أنك ما زلت لا تعرف كيف تحب أخاك! هل تظن أنك وضعت نفسك تحت الجناح بقليل من صلاة وصوم؟! إذا لم تُكملهم بحب أخاك ستنطبق عليك الآية: “هوذا بَيْتُكُ أيضاً يُتْرَكُ لَكُم خَرَابًا”.
ملخص ما سبق:
+ إذًا أول سبب لبكاء السيد المسيح له المجد، هو قضية الحب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. إلى أي مدى نُحب بعضنا بعضًا؟! إذا أحببنا بعضنا البعض بجد، سوف نحب الله بالطريقة السليمة. لكن إذا لم نعرف كيف نُحب بعضنا بعضاً، ونحب كل الناس فلن نجد لنا مكاناً تحت جناحيه. “لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ ” (مت 5: 46)، (عملت إيه زيادة يعني! ما العشارين والخطاه بيعملوا كِده)!
+ ” أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ ” (مت 5: 44)، (لو 6: 27)، (لو 6: 35)، لأننا كنا أعداء وصولحنا مع المسيح بدمه، ” لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ! ” (رو 5:10). فبالتالي نحن مطالبين أن نحب الأعداء.
ثاني سبب لبكاء السيد المسيح: آلام البشرية! بكى عند قبر لعازر..
لماذا يا رب؟
+ المرة الثانية التي بكى فيها الرب يسوع كانت أمام قبر لعازر.
+ ولعل بكاء المسيح له المجد، كان رداً على الكثير من الأسئلة التي تبدأ بكلمة “ليه؟ أو لماذا؟”. لأن في اللحظة التي بكى فيها السيد المسيح، صدرت همهمة من الناس تقول: “طب ليه سابه يموت؟”. قالوا: ” أَلَمْ يَقْدِرْ هذَا الَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ الأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هذَا أَيْضًا لاَ يَمُوتُ؟ ” (يو 11: 37). يعني مش كان لحقه؟! مش كان اتدخل قبل كده؟! فكرة “ليه؟ أو لماذا يا رب؟” هي التي تتعب كل الناس.
+ نفس السؤال قالته “مرثا” وكررته “مريم”. ” لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي! ” (يو 11: 21)، (يو 11: 32). ليه اتأخرت؟! لماذا لم تأتِ؟!
+ لماذا لم تستمع لنا يا رب ونحن نصرخ من أجل مريض صالح، ونعلم أنك تحبه، وطلبنا له الشفاء، ليه رفضت؟! لماذا تركته يموت؟!
+ لم نطلب شيئاً ردياً! لم نطلب انتقام، أو مال، لماذا لم تستجب؟! لماذا استجبت لواحد من ألف، وتركت 999 ناظرين إليك باستغراب! يتهمونك بالقسوة! ليه يا رب؟! لماذا تركته للموت؟!
الله يبكي معنا في آلامنا، لأننا عاجزين أن نرى ما يراه!
+ الذي فعله الرب يسوع أمام هذه التهمة، هو أنه بكى! بكى، لماذا بكى؟! لأن أحياناً ربنا لا يعرف ماذا يقول لنا، لأننا لن نفهم! كما يقول في يوم الخميس: “لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ” (يو 13: 7).
+ “يا ابني ما أنا لو شفيتك هتضيع!”،
“يا ابني ما أنا لو سمعت لك، هتخسر أبديتك!”
“يا ابني أنا لو جاريتك في طلباتك وأنت ما زلت صغيراً لا تدري أين مصلحتك، سأكون سبباً في أذيتك!”،
“يا ابني يا حبيبي، إنت فاكر إن الشفاء صعب؟! الشفاء سهل جداً، ده وجعك ده وجع ليَّ أنا أكثر وأكثر! لكني أرى مصلحة أنت لا تراها”،
” أنت أصغر من أن تفهمني، ولكن ماذا أفعل؟! إذا كنت تبكي سأبكي معك!”.
كثيراً ما نتهم الرب بالقسوة، لأننا عاجزين أن نفهم مقاصده!
+ “لكن حتى إذا اتهمتني يا ابني بالقسوة، أنا سأصمت وأبكي!
يمكن في يوم من الأيام تعود إليَّ قائلاً: «حقك عليَّ يا رب، طلعت إنت صح، حقك عليَّ لأني ظلمتك، افتكرتك قاسي، افتكرتك ما بتسمعش! افتكرتك ليك ناس ناس! افتكرتك بتخون العشرة! (لأن بيت لعازر كان البيت الذي يستضيفك)، افتكرتك مهمل في حق أولادك، افتكرتك لا يعنيك صراخ المساكين، افتكرتك بتخلف وعودك وأنت الذي تقول: “من أجل صراخ المساكين وتنهد البائسين الآن أقوم”، ومابتقومش!».
+ فربنا يسوع له المجد يقف أمام القبر باكياً.
+ مش بتدافع عن نفسك ليه يا رب؟! مش بتفسر لهم ليه؟!
لأنه لن يفهموا! هذه المرة فقط فهمهم لكي يُفهمنا كلنا. قالهم: “مش ده اللي تعبكم؟! مش هو ده الموقف اللي واجع قلبكم؟! مش كلكم تتهموني بالتقصير؟! ” لِعَازَرُ، هَلُمَّخَارِجًا!” (يو 11: 43).
هناك وعد بالقيامة لكل لعازر يموت، ولكن في اليوم الأخير:
+ “أنا لن أفعل ذلك مع كل من يموت، لكن على وعد أن أفعل هذا مع الكل في اليوم الأخير.
+ لأن لعازر سيقوم وسيُكمل حياته كقديس، ولكننا لا نعلم عدد الذين سيكملون حياتهم في القداسة إذا قاموا من الأموات! لا نعلم ما يُخفيه الزمان للناس!
الله يفعل الصالح لنا في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة:
+ أتركوا لي اختيار الوقت المناسب والطريقة المناسبة.
+ أنتم متمسكين بالدنيا، بينما أنا مُتمسك لكم بالسماء!
أنتم تُضيِّعون السماء بالأرض، بينما أنا لا يوجد عندي أي استعداد لضياع السماء من أيديكم من أجل يومين على الأرض!
+ ازعلوا مني، خاصموني، اشتموني، اتهموني بالقسوة، ابكوا غضباً عليَّ، وأنا سأبكي تعاطفاً معكم.
لكني في الآخر سأفعل ما أراه في مصلحتكم. طالما انتم تريدوني، أنا أيضاً أريدكم، وأريد مصلحتكم.
+ على وعد أمسح كل دمعة من عيونكم، ولكن في الوقت المناسب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. سأصالحكم، وأحيالكم، وأقيم إليكم كل لعازر مات منكم، وأفتح عنين الذين تعبوا في الدنيا، وأقيمكم، وسأستجيب لكل طلباتكم، بأكثر مما تظنون. ولكن في الوقت المناسب، وبالطريقة المناسبة.
“مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ” ( رو 11: 33)
+ الله يبكي لأنه لا يقدر أن يدافع عن نفسه! تجاوزاً أقول هذا. ليه؟ لأن حكمته أعلى من حكمتنا. ” لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ، هكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْوَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ ” (إش 55: 9).
+ “هشرحلك إيه يا ابني، وأنت بضعف مداركك لن تصل أبداً لمداركي! مهما شرحت لن تفهم، مهما حكيتلك، أنت لا تدرك ما يحدث بداخلك، ولا تدرك ماذا يحدث بالكون، ولا تدرك كيف تسير الأيام، لا تعرف ولا تفهم شيئاً! دعني أقود حياتك.
آلامنا على الأرض، ما هي إلا الباب الضيق الذي سنعبره للأبدية
+ ربنا يسوع يبكي مع الباكين ولكنه لا يمسح دموع الباكين الآن، سيمسح دموعهم في السماء. لكنه يبكي معنا الآن.
+ ربنا طيب وحنين، ويستطيع أن يمسح الدموع الآن، لكن ليس من مصلحتك أن يمسحها الآن. إذا مسحها الآن، فكأنه يمحو الصليب! كأنه يشطب على قضية الألم! كأنه يقول جئت لأريحكم في الدنيا، ومش مهم الحياة الأبدية.
+ لأ المسيح كان صادقًا، وأمينًا وقال لنا: ” فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ،” (يو 16: 33).
أنا لم أعدكم أن أمسح دموعكم على الأرض. ولكني أبكي معاكم، وأتوجع معكم، وأشعر بكم، “فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ” (إش63:9)، إنما الراحة ستكون في السماء، والعزاء كله سيكون في الأبدية.
ثالث بكاء ليسوع له المجد كان يوم خميس العهد بسبب كثرة خطايانا وآثامنا وإرادتنا الخاطئة..
+ أخيراً البكاء الثالث، بكاء خميس العهد، كلكم تعلمون ليلة جثسيماني وصعوبتها.
+ أول وثاني مرة السيد المسيح بكى أمام الناس، بينما في المرة الثالثة رفض أن يبكي أمام أحد لأنه كان يبكي من أجل حاجه شخصية.
+ ربنا يسوع أول مرة كان داخلاً في موكب ضخم، داخل على أحد الزعف، ونازل على جبل الزيتون، فالآلاف رأوا دموعه.
+ ويوم مريم ومرثا المئات رأوا دموعه.
صورة في موقع الأنبا تكلا: V: النصرة على الخطية, تأتى منك أذ بدأت مع المسيح. – أنا أمضي لأعد لكم مكانا. (يوحنا 14: 2)
+ بينما ليلة صليبه، انفصل عن الكل، بعد عن الكل لكي يأخذ راحته في البكاء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.كان يبكي بصوت وبحرقة، وقدم صراخ ودموع. قلت إيه يا رب؟! إيه اللي تاعبك؟! ما سر دموعك في هذه الليلة؟! ألم تأتي من أجل تلك الساعة؟! إيه الجديد يعني؟! إنت من أول مرة عملت فيها معجزة قلت: “لَمْ تَأْتِ سَاعَتِيبَعْدُ” (يو 2: 4). ودائماً كانت هذه الساعة أمام عينيك!
ماذا قال الرب يسوع في ليلة الجمعة العظيمة؟!
+ قال: ” إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُأَنْتَ” (مت 26: 39). “لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك”. وكرر هذا التعبير مرة ثانية، وثالثة، وكان مُصراً على هذا التعبير.
+ وقال قبلها: ” الْكَأْسُ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ أَلاَ أَشْرَبُهَا؟”. وعندما جاء الأخوين يعقوب ويوحنا ليساوماه في الملك الأرضي، قال لهما: أنتما لا تفهمان شيئاً، أتريدا أن تشاركاني؟! ستشاركاني في الكأس. أنتما لا تفهمان إلى أين أنا ذاهب! ” لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي سَوْفَ أَشْرَبُهَا أَنَا… “، إنها مُرة جدًا! “…قَالاَ لَهُ: «نَسْتَطِيعُ»”. كانا لا يفهمان ما هما مقبلان عليه! فقال لهما: ” أَمَّا كَأْسِي فَتَشْرَبَانِهَا، وَبِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ…” (مت 20: 22، 23).
كانت خطايانا هي الكأس المُرة التي شربها الرب يسوع في جثسيماني!
+ لكن ما هذه الكأس التي أبكت المسيح؟! ما نوع المرار الذي فيها؟! فيها خطايانا كلنا! وهي أيضاً فكرة “الإرادة”.
+ ما يحزن الله هو أن تكون إرادته غير إرادتنا.
لم نخضع إرادتنا لإرادة الله الذي يريد أن يعطينا الأبدية!
+ الله ” يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ” ، والجميع لا يريدون الخلاص!
“الله يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ …، إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ ” (1تي 2: 4)، والجميع لا يريدون أن يقبلوا إلى معرفة الحق!
هذا ما يُبكي الله! لذلك كان يقول: ” لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ “( لو 22: 42). كأنه يضع أمامنا مثلاً أعلى!
سلموا إرادتكم ومشيئتكم لله، فقد كان المسيح لنا قدوة في جثسيماني:
+ “يا أولادي، سلموا إرادتكم ليَّ. تنازلوا عن إرادتكم شوية! استمعوا لكلامي! اخضعوا لوصيتي! إلغوا مزاجكم شوية! لا تفعلوا ما تريدوه، بل ما أريده.
+ افعلوا كما فعلت في جثسيماني. فأنا من الناحية الإنسانية لا أريد أن أتعذب، لكني لن أسير وراء ما أريده أنا. صلوا كما صليت: ” لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ “.
+ كلنا نعلم أن إرادة الآب والإبن واحد، لأنهما ألوهة واحدة “أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ” (يو 10: 30). لكنه يُعبر عن ما يحدث فينا كبشر، من صراع نفسي:
أنا لا أريد أن أتألم، بينما ربنا يُريدني أن أتألم!
أنا لا أريد أن أسامح، وربنا يُريدني أن أسامح.
أنا لا أريد أن أصوم، أريد أن آكل، والله يريدني أن أصوم.
أنا لا أريد أن أكون في الآخر، وهو يريدني أن أتخذ المتكأ الأخير.
أنا لا أريد أن أترك التفكير في الفلوس، وهو يريدني ألا أفكر فيها.
صراع مستمر. هذا هو الكأس المملوء مرارة. وهو ما جعل الرب يبكي بصراخ، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. لأن هذا هو أصعب شيء! أكثر حاجه معطلة لحياتنا الروحية هي الإرادة البشرية، هي الأنا! ما أريده!
يا حبيبي هذا الذي تريده سيؤدي إلى ضياعك! ملايين من البشر ضاعوا بسبب خضوعهم لأهوائهم!
لا تكن كالرجل الغني الذي أضاعته شهواته وأهوائه!
الرجل الغني الغبي كان يقول لنفسه: “يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي!” (لو 12: 19)، يا ابني انسى نفسك شوية! مش تسأل ربنا خلقتني ليه؟ عاوزني أعمل إيه؟! أعمل إيه بالمخازن دي كلها؟! أعمل إيه بالبركات دي كلها؟! دي حاجتك مش حاجتي!
أنكر نفسك، واحمل صليبك لتصير تلميذاً للمسيح:
+ ربنا يسوع علمنا مبدأ، قال: الذي يريد أن يدخل على الصليب، قبلها ينكر نفسه، “إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي” (مت 16: 24)، (مر 8: 34)، (لو 9: 23)، “وَمَنْ لاَ يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا” (لو 14: 27).
+ إنكار النفس ظهر في هذه الليلة، يوم الخميس (ليلة الجمعة)، قبل الصليب مباشرة، علمنا المسيح هذا المبدأ. “لتكن لا إرادتي بل إرادتك”.
قل دائماً: “لتكن مشيئتك”، “لتكن إرادتك لا إرادتي”:
+ قولها وإنت بتبكي بس قولها.
+ نحن نقولها كل يوم في: “أبانا الذي” لكن للأسف نقولها بدون دموع، لأننا لا نعنيها ولا نقصدها، نحن نقول له: “لتكن مشيئتك”، إنما إذا حدث شيء خلال اليوم على غير هوانا، تلاقي الزعل، والنكد، و”ليه يا رب بتعمل كده؟!”.
كل ما يسمح به الله في حياتك هو من أجل خلاصك:
يا ابني ما إنت اللي قلت لي: “لتكن مشيئتك”، مش “لتكن مشيئتك” معناها “لا مشيئتي بل مشيئتك”، سيبني بأه أصنع مشيئتي! سيبني أوضبك! وأظبطك! وأجهزك للسماء! سيبني أصنفرك! سيبني أشيل منك اللخبطة! سيبني أعدل فيك علشان تدخل السماء. سيبني أضيق عليك علشان تعدي من الباب الضيق. سيبني أفكرك بالوصايا اللي إنت تايه عنها! سيبني أحط الصليب اللي على مزاجي علشان أعملك به إكليل! سيبني أعمل فيك حاجه صح، لماذا تقاوم؟! ما إنت اتفقت معي وقلت لي، “لتكن مشيئتك”).
يبدو أن “لتكن مشيئتك” ينبغي أن تُقال بدموع. لأن كل مرة الواحد يقولها، يخجل من نفسه. يخجل من نفسه ليه؟!
“أنا يا ربي أقولها من لساني فقط، أنا مش أدها” عندما يحدث شيئاً ضد إرادتي، أجد صعوبة شديدة. عندما تقول لي: “سامح فلان الذي ظلمك” أقول لك: “لا، لا، دي صعبة أوي!”.
عندما تقول لي: “تنازل عن كرامتك، وعن راحتك”، أجد في ذلك صعوبة!
نحتاج إلى الدموع يا أحبائي، لكي نستطيع دخول يوم الجمعة العظيمة.
في يوم الجمعة العظيمة أظهر الرب يسوع كل القوة:
يوم الجمعة الكبيرة، لم يبكي المسيح. لماذا؟ لأنه أظهر كل القوة. لأنه ليس ضعيفاً بالمرة. فعلاً من أجل هذه الساعة قد أتى. أتى ليموت بإرادته: “لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا” (يو 10: 18). يعني إيه؟ يعني دخل على الصليب بإرادته، وصعد من الصليب بالقيامة بإرادته، لكنه يشرح لنا ما الذي يحدث، ويُرينا.
إذا أخضعت ذاتك بالكامل تحت الصليب، فلن تبكي حتى إذا عُلِّقت على الصليب!
+ أحبائي، إذا استطاع كل منا أن يكسر إرادته تماماً، ويُخضع ذاته تماماً، تحت الصليب، حتى لو صُلب لن يبكي.
+ لو عَدِّت عليه آلام الدنيا كلها، خلاص هتهون بعد كده. لأنه استطاع أن يصلب ذاته أولاً، كرامته، وأناته، وشخصيته، ومزاجه، وكل شيء يجعله منفصل عن الله.
+ إذا عرفنا كيف نُخضع المشيئة الشخصية، كل شيء سيهون بعد ذلك. يحدث ما يحدث!
شهداء ليبيا فخرٌ لنا ولهذا الجيل:
+ شهداء ليبيا أعطونا كلنا درسًا. الكثير منا بكى عليهم، وتذكرت ساعتها كلمات السيد المسيح عندما قال: “يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، لاَ تَبْكِينَ عَلَيَّ بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ” (لو 23: 28).
+ هل نبكي على هؤلاء؟!يجب أن نقول عنهم: (يا بختهم!). هم شرف للكنيسة وشرف لعائلاتهم، وشرف لهذا الجيل كله. “لاَ تَبْكِينَ عليهم
بل ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنّوَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ”.
+ هل سنقدر مثلهم على هذه الوقفة التي وقفوها، أم لا؟! وأولادنا اللي طالعين، هل سيقدروا على هذه الوقفة أم لا؟! هل لدينا تسليم إلى هذه الدرجة؟! هل ذبحنا إرادتنا وكرامتنا قبل أن يذبحونا؟! إذا لم نذبح كرامتنا لن نحتمل رفع السكين على رقابنا!
قد ننكر المسيح يا أحبائي، إن لم ننكر ذواتنا!
قد ننكر المسيح، إن لم ننكر إرادتنا!
ينبغي أن نُدرِّب أنفسنا على إنكار النفس، حتى لا ننكر المسيح في لحظة!
اطلبوا من الرب أن يحررنا
+ الخوف كل الخوف أن نخاف على عمرنا! ونضعف! ونهتز!
+ متى تكون ضعيفاً وتهتز أمام الأحداث؟! تضعف وتهتز إذا لم لم تكن قد بكيت على نفسك، وطلبت من الرب قائلاً: “حررني من ذاتي يا رب، انزع مني الكرامة، انزع الأنا، انزع الرغبات والأهواء…، ساعدني أن أعيش معنى الآية: ” نَامُوسِ الرَّبِّ مَسَرَّتُهُ (إرادته)، وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَارًا وَلَيْلاً” (مز 1: 2). أريد أن أفعل ما تريده، وليس ما أريده أنا، أريد أن أعيش بشعار: “ماذا تريد يا رب أن أفعل؟” وليس بشعار: “ماذا تريد يا فلان أن أفعل؟”. أريد أن أنقاد بروحك، وليس بجسدي، أريد أن أسير على كلامك، “أقدم لك يا سيدي مشورات حريتي، وأكتب أعمالي تبعاً لأقوالك”، كما ذكرنا أيضًا هنا في مواضِع أخرى. إذا كنت أنت قد صُلبت من أجلي، فأين أذهب أنا؟! دمي رخيص جداً، جنب دمك! عمري صغير جداً جنب عمرك! وإرادتي تافهة جداً جنب إرادتك! وكل رغباتي يا رب، أقل ذبيحة أقدمها لك! هذه الرغبات الأرضية! “
تعالوا نبكي كما بكى المسيح
+ تعالوا يا أحبائي نرتقي لنبكي بنفس دموع المسيح. تعالوا نبكي على كل شخص لا يعرف كيف يحب أخوه. ونبكي على كل شخص يخرج من تحت جناح ربنا.
+ تعالوا نبكي مع الباكين الذين لم يسمع لهم المسيح، وصعبان عليهم منه. بدلاً من أن نقول لهم كلام يتعبهم، تعالوا نقف جانبهم ونقول لهم: “سيقوم، سيقوم، إن لم يفعل ذلك اليوم فسيفعله ذلك غداً. لكننا نبكي معكم”.
+ تعالوا نبكي مع المسيح كل واحد في مخدعه. وهو يصارع مع إرادته الشخصية، ويقول له:
“يا رب مَوِّتني داخليًا، حتى لا أخاف من الموت. موت العالم اللي فيًّ، علشان لو دخلت على صليبك في يوم، أكون فرحان أن أقدم عمري لك”.