نورسات الاردن
يوصينا بولس الرسول بقوله:كونوا في الرجاء فرحين وفي الشدة صابرين وعلي الصلاة مواظبين(رو12:12).
هل نعتبر الصلاة فرضا علينا, نسعد عند الانتهاء منه, لأننا قمنا بالواجب المطلوب؟أم هي لحظة خلوة داخلية وصافية بين الإنسان والله خالقه؟ما هي المكانة التي تحتلها الصلاة بين أعمالنا ومشاغلنا اليومية؟مما لاشك فيه أننا نضعها في آخر أولوياتنا.
يحكي أن فلاحا بسيطا كان يخرج مبكرا في الصباح للعمل في حقله ويعود إلي بيته في ساعة متأخرة, واكتشف فجأة عند وصوله للحقل بأنه نسي كتاب الصلوات, وكان قلقا لقضاء اليوم دون تلاوة صلواته, فاضطر إلي أن يرفع لله هذه الصلاة النابعة عن حب : يارب أنا أخطأت في حقك لأنني خرجت هذا الصباح من منزلي بدون كتاب الصلوات, وللأسف ذاكرتي ضعيفة لا أستطيع أن أتذكر الصلوات من غيره, ولا أقدر أن أكون صلاة واحدة.
لكن اقترح عليك هذا الحل البسيط وأرجو قبوله : سأردد ببطء كل الحروف الأبجدية خمس مرات, وبما أنك تعرف كل الصلوات, تستطيع أن ترتب الحروف معا لتكون بها الصلوات التي يجب علي أن أتلوها.
ثم قال الله لملائكته : حقا إنها أجمل صلاة سمعتها اليوم, لأنها خرجت وولدت من قلب بسيط وصادق.
مما لا شك فيه أن سر عظمة الإنسان ينبع من اتحاده الوثيق بالله عن طريق صلاته الحقه, التي يرفعها إليه في كل حين, والتي تقربه من الله خالقه.
ونحن عندما ندعو الله في صلاتنا نتطهر من خطايانا وذنوبنا, ونشعر بالسعادة التي تغمرنا طوال النهار أثناء عملنا, ونتخطي العقبات التي تواجهنا, ونسمو في معاملاتنا مع الآخرين وتزداد محبتنا واحترامنا لهم, كما أن الخوف يتبدد من حياتنا, لأن الذي يحب حقا لايتطرق الخوف إلي قلبه نحو من يحب, ولن نخاف من صعوبات ومتاعب الحياة اليومية, وسنصل إلي ختام يومنا وننام مطمئنين صافي البال, وعندما نستيقظ في اليوم التالي سنصبح متفائلين ومغمورين بالأمل.
فهل بعد كل هذه الامتيازات والنعم وغيرها مما تحمله لنا الصلاة, نتكاسل أو نتهاون في القيام بها؟ لماذا تقتصر صلاتنا علي سن الطفولة عندما كان والدانا يشجعان كل واحد منا لتلاوتها, أو عندما نصل لسن الشيخوخة لأننا نقترب من نهايتنا ونخاف المصير المحتوم؟إذا من يرفض الصلاة,عليه أن يستعد لاحتمال النتائج الوخيمة الناتجة عن بعده من الله
وهذا ما نستشفه في حياتنا اليومية, لأننا عندما نصلي تحل النعمة في قلوبنا, وتزداد ثقتنا في محبة الله لنا, وتدخل الطمأنينة إلي قلوبنا بفضل عنايته الإلهية, ولكن عندمل تتلاشي الصلاة من حياتنا وينطفئ نورها بداخلنا, تنقبض النفس وتعم الفوضي داخل الإنسان.
كما يجب أن نضع في الاعتبار أن الصلاة لا تؤتي ثمارها ونتائجها في القلب والعقل,إن لم تكن نابعة من الداخل وتكون حقيقية,ليست مجرد تمتمة الشفاه دون وعي ولا إدراك.
لذا عندما يصلي الإنسان صلاة حقيقية ويقترب من الله متحدثا معه بكل ثقة وتواضع وطمأنينة, سيشعر بنعم وبركات الله في حياته, ويستطيع أن يلتجأ إليه في كل حين لأنه يقبل رجوعه في كل لحظة مهما ابتعد عن الله أبيه, حينئذ ستشرق نفسه وينتعش قلبه ويتجدد نشاطه ويشعر بطمأنينة تغزو كل كيانه, وتنبعث فيه الحيوية, وينعش بالأمل روحه.
ويقول العالم الشهير Correl : يلجأ خمسة في المائة فقط من البشر إلي الصلاة الحقيقية, وهذا هو سبب التشويش واختلال التوازن في عالم اليوم.
لأن خمسة وتسعين في المائة,أعني بقية البشر ينقصهم الله لأنهم لا يصلون كما يجب.
لا نستطيع أن ننكر نتيجة هذه النسبة التي تتجاهل الصلاة وتأثيرها علي معاملات البشر فيما بينهم, فنحن نعيش عصرا من أصعب العصور, فيه نسي الإنسان الله, ويفكر في ذاته وفي المادة التي يضع فيها كل كيانه وثقته.
فكلما ابتعدنا عن الله, ازداد الشر وانتشرت الحروب والكوارث والأطماع لكن الصلاة بدون شك هي دواء لكل ما يشكو منه إنسان العصر, كما أنها تساعدنا علي التعايش بمحبة وتفان والتحلي بالصبر في الأفراح والأتراح, ومن يمتلك هذه الروح المتحررة بقوة الصلاة لايمكن أن يشيخ,وإذا كان الندم ينظر إلي الوراء, والقلق ينظر حوله لكن الصلاة تنظر إلي فوق, لأن الإنسان العاقل والحكيم يتوكل علي رحمة الله وحنانه ويلتمس مشورته كل حين بقوة الصلاة.
ونختم بالقول المأثور:اسم الله برج منيع يهرع إليه الصديق وينجو من الخطر.