نورسات الاردن
قام قداسة البابا فرنسيس اليوم الجمعة بزيارة صاحب الغبطة خريسوستوموس رئيس أساقفة قبرص للكنيسة الأرثوذكسية ثم التقى المجمع المقدس في كاتدرائية نيقوسيا الأرثوذكسية.
بدأ اليوم الثاني في زيارة البابا فرنسيس الرسولية إلى قبرص بلقائه صاحب الغبطة خريسوستوموس رئيس أساقفة قبرص للكنيسة الأرثوذكسية ثم المجمع المقدس في كاتدرائية نيقوسيا الأرثوذكسية. وفي بداية كلمته أعرب الأب الأقدس عن سعادته وشكره على الاستقبال وعلى كلمة رئيس الأساقفة ووجه التحية إلى الجميع. ثم تحدث البابا عن الأصول المشتركة حيث اجتاز بولس قبرص ثم جاء إلى روما، وتابع: “فنحن ننحدر من الاندفاع الرّسوليّ نفسه، ويربطنا طريق واحد، هو طريق الإنجيل. يسرّني هكذا أن أرانا نسير معًا على الطّريق نفسه سعيًا إلى أخوّة أكبر دائما وإلى الوَحدة الكاملة”.
ثم توقف الأب الأقدس عند القديس برنابا مبينا بعض الجوانب التي يمكن أن توجّهنا في المسيرة فقال: “يوسُف، ولَقَّبَه الرُّسُلُ بَرنابا” (أعمال الرّسل 4، 36). هكذا يقدّمه سفر أعمال الرّسل. نَعرفه ونكرّمه إذن بلقبه، فهو الذي يدلّ على الشّخص. وكلمة برنابا تعني في الوقت نفسه ”ابن التّعزية“ و ”ابن الإرشاد“. وجميل أنّ تمتزج في شخصيته هاتَان الميزتان اللتان لا غنى عنهما لإعلان الإنجيل. في الواقع، كلّ تعزية حقيقيّة لا يمكنها أن تبقى باطنيّة، بل يجب أن تترجَم إلى إرشاد، أن توجه الحرّيّة نحو الخير. وفي الوقت نفسه، كلّ إرشاد إيمانيّ لا يمكنه إلّا أن يكون مبنيًّا على حضور الله المعزّي، وأن يكون مصحوبًا بالمحبّة الأخويّة”. وواصل البابا فرنسيس أن القديس برنابا يحثنا على القيام بالرسالة نفسها، إيصال الإنجيل إلى البشر، ويجب للإعلان أن يتبع طريق اللقاء الشّخصي، وأن يهتم بأسئلة النّاس، باحتياجاتهم الوجوديّة. حتّى نكون أبناء التّعزية، قبل أن نتفوّه بشيء، علينا أن نستمع، ونتساءل، ونكتشف الآخر، ونشارك. لأنّ الإنجيل يُنقل عبر الشّركة.
نقطة أخرى هامة توقف عندها البابا فرنسيس هي البعد السينودسي والذي هو أساسي كي نكون كنيسة حسب ما ذكر قداسته. وأضاف أن “هذا ما نرغب ككاثوليك في أن نعيشه في السنوات القادمة”. وتابع: “وفي هذا، نشعر بالحاجة إلى السّير معكم بشكل أكثر كثافة، أيّها الإخوة الأعزّاء، إذ يمكنكم حقًّا مساعدتنا بخبرتكم السينوديّة”. وأعرب البابا عن الرجاء في أن “تزداد الفرص كي نلتقي، ونتعرّف بعضنا على بعض بشكل أفضل، فنهدم العديد من الأفكار المسَّبَقة ونستمع بوداعة إلى خبراتنا الإيمانيّة”. ثم أضاف: “أودّ أن أؤكّد لكم صلاتي وقُربي، أنا والكنيسة الكاثوليكيّة، في المشاكل الأكثر ألما التي تقلقكم، وفي أجمل وأجرأ الآمال التي تنعشكم. أحزانكم وأفراحكم تهُمُّنا، ونشعر أنّها أحزاننا وأفراحنا! ونشعر أيضًا أنّنا بحاجة ماسّة إلى صلاتكم”.
ثم تحدث البابا فرنسيس عن أن سفر الرسل قد كشف شخصية القديس برنابا من خلال عمل رمزي له : “كانَ يَملِكُ حَقلاً فباعَه وأَتى بِثَمَنِه فأَلقاهُ عِندَ أَقدامِ الرُّسُل”. وتابع قداسته: “تشير هذه البادرة الرّائعة إلى أنّه، ومن أجل أن نُفعِّل أنفسنا في الشّركة وفي الرّسالة، نحن بحاجة أيضا إلى الشّجاعة لنجرّد أنفسنا ممّا هو أرضيّ، حتّى لو كان ثمينًا، لتعزيز كمال الوَحدة”. ثم شدد على ضرورة “ألّا نسمَح أن يشلّنا الخوف من الانفتاح والقيام بمبادرات جريئة، وألّا نطاوع ”عدم توافق الاختلافات“ والذي ليس له وجود في الإنجيل”. وواصل البابا: “بوضعه ما كان يملك عند أقدام الرسل دخل برنابا إلى قلبهم. نحن أيضًا يدعونا الرّبّ لنعيد اكتشاف أنّنا جزءٌ من الجسد نفسه، إلى أن ننحني حتى أقدام الإخوة”. وشدد قداسته على أن الروح القدس يدعونا إلى ألّا نرضخ أمام انقسامات الماضي، وأن نزرع معًا حقل الملكوت بالصّبر والمثابرة وبشكل ملموس، وأكد أن العمل المشترك سيُنَمي الوفاق وسيكون مُثمِرا.
تحدث قداسة البابا بعد ذلك عن المصاعب التي واجهها القديس برنابا مذكرا بمحاولة الساحر النبي الكذاب مقاومة برنابا عند عودته إلى قبرص مع بولس ومرقس وأن يعوّج طرق الرّبّ المستقيمة. وتابع أن هناك أيضا ما يُعوِّج طريق الله الذي يهدف إلى التوافق والوَحدة مشيرا إلى أحكام مسبقة هي نتاج قرون من الانقسام والتباعد. وأضاف: “لنطلب من الرّبّ يسوع الحكمة والشّجاعة من أجل أن نتبع طرقه، لا طرقنا”. وختم مذكرا بقديسين كثر ما بين معروفين وغير معروفين يحثوننا، متّحدين في الكنيسة السماويّة الواحدة، على أن نُبحر معًا نحو الميناء الذي نتوق إليه جميعًا. ومن العُلى يدعوننا إلى أن نجعل قبرص، والتي هي جسر بين الشّرق والغرب، جسرًا بين السّماء والأرض. لِيَكُنْ ذلك، لمجد الثّالوث الأقدس، من أجل خيرنا وخير الجميع”,
هذا وفي كلمته مرحبا بالبابا فرنسيس تحدث صاحب الغبطة خريسوستوموس رئيس أساقفة قبرص عن أن الكنيسة في قبرص ومنذ أن أتاها الرسل ليبشروا منذ سنة ٤٥ قد قامت بمسيرة مسيحية مثمرة، وواجهت خلال هذه المسيرة أوضاعا صعبة لكنها تواصل حمل شهادتها المسيحية الأرثوذكسية وتأدية رسالتها. وذكَّر في هذا السياق بحديث القديس يوحنا ذهبي الفم عن أن مركب يسوع لا يمكن ورغم هياج البحر أن يغرق لأنه يظل ثابتا على صخرة. ثم انتقل صحاب الغبطة إلى ما تعرضت له قبرص والكنيسة منذ سنة ١٩٧٤ فيما وصفه بنقلة تاريخية صعبة. وأشار إلى ما قامت به تركيا من طرد لمائتي ألف مسيحي من أراضيهم ومصادرتها لكنائس بيزنطية تاريخية. وطلب غبطته من البابا المساعدة للحفاظ على وحماية هذا الإرث الثقافي. تحدث بعد ذلك عن اتّباع الكنيسة في قبرص بأمانة روح محبة يسوع المسيح، مشيرا إلى العلاقات الممتازة مع كل الكنائس والتطلع إلى الحوار مع الجميع. أكد من جهة أخرى الترحيب بالحوار بين البطريركية المسكونية والكنيسة الكاثوليكية والصلاة من أجل نجاحه. تحدث أيضا عن إطلاق الكنيسة في قبرص حوارا مع مسلمي الشرق الأوسط سنوات مضت إلا أن التوتر الذي أشعلته أطراف متطرفة لم يمَكن هذا الحوار من الاستمرار باستثناء سوريا. وأعرب عن الثقة في حل سلمي للخلافات سواء كانت مدنية أم دينية، وهو ما يمكن بلوغه فقط بالحوار الصادق.
هذا وتجدر الإشارة إلى تسجيل قداسة البابا فرنسيس لدى وصوله كاتدرائية نيقوسيا الأرثوذكسية كلمة في سجل الشرف. وكتب قداسته: حاجًا في قبرص، لؤلؤة التاريخ والإيمان، أتضرع إلى الله طالبا التواضع والشجاعة للسير معا نحو الشركة الكاملة، ولهبة العالم، على مَثل الرسل، رسالة تعزية أخوية وشهادة رجاء حية.