نورسات الاردن / بقلم القس سامر عازر
من حقِّ الإنسان أن يفرح وأن يحتفلَ وخصوصاً في مواسم الأعياد. ونحن الآن على أبواب عيد الميلاد المجيد ونعيش حالياً في زمن الإستعداد للإحتفال اللائق بمولد السيد المسيح احتفالاً يليق بهذا الحدث العظيم الذي شطر التاريخ إلى ما قبل الميلاد وما بعده، وقاد ثورة روحية تجاه إصلاح حياة الإنسان الروحية والعودة به حضن الإنسانية التي فقدتها البشرية منذ السقوط في الخطيئة التي شوهت كلَّ شيء من حولنا، فأُفسِدَ المناخُ ونضبَت المصادر الطبيعية واستُغلت الطبيعة أبشع استغلال وتفسَّخَت العلاقات البشرية وطغَى الإنسان وتجبَّرَ بأخيه الإنسان حباً واعتداداً بنفسه لأنه رأى في نفسه مركز الكون والكل يدور في فلكه..
ولذلك فأهمية عيد الميلاد تفوق بكثير شجرة الميلاد والزينة والإنارة والبازارات والمعارض، مع أنّ هذه كلها مظاهر هامة ارتبطت بهذا الزمن المقدس، لكن قيمة ومعنى وعمق عيد الميلاد نجدها متجسدة في زيارة قلّ نظيرها كالتي قام بها قداسة البابا فرنسيس إلى جزيرة لسبوس اليونانية حيث اللاجئين الذين تقطعت بهم السبل ومصيرهم على المحك.
هذا من أهم معاني عيد الميلاد بأن نلتفت إلى عالمنا الجريح والمتألم، لعالمنا الذي تسود به الخصومات والمشاكل والتحديات فلا نقف مكتوفي الأيدي، فالعالم ليس عبثياً والإنسانية ليست عدمية، بل يحتاج عالمُنا وتحتاجُ الإنسانية إلى التحلي بمفهوم عيد الميلاد الحقيقي الذي يدعونا لأن نتحرر من عقدة الأنا والإلتفات لمصلحة المجتمعات الإنسانية حيث الجوع والفقر والبطالة والعوز والمرض والجهل، وحيث الخلافات التي تمزّق العلاقات الطيبة داخل البيت الواحد بدلاً من أن تجمعها وتوحد قلبها على قلب رجل واحد.
في كلِّ سنةٍ يطِّل علينا عيد الميلاد برأسه من جديد ، فنقول ” عيدٌ بأي حال عدت يا عيد .. لأمر مضى أم لأمر فيه تجديد”. نعم، عيد الميلاد هو مناسبة للتجديد، لنجدِّدَ ونصلحَ ذات البين بين الناس وبين الدول والشعوب، ولا نبقى متفرجين من بعيد دون أن نبادر لنقرِّب القلوب من بعضنا ونلّم شمل الناس ونشفي جراحاتها. فما فائدة عيد الميلاد ونحن نتمسك بطقوسه وزينته الخارجية وقلوبنا تنأى بنفسها عن التدّخل من أجل عمل المصالحة والسلام بين الناس؟ ما الفائدة من عيد الميلاد وقلوبُنا ما زالت مليئةً بالحقدِ والكراهيةِ والعبثِ بمصائر الناسِ ومصالحها؟
فأهم ما يدعونا إليه عيد الميلاد لهذا العام أن نُجسّدَ محبةَ الله في قلوبنا، وننزع القناع الزائف عن حياتنا العبثية لنعيش روح الميلاد ورسالة الميلاد، فَنَمُّدَ يد الخير والمساعدة لمن يقدّرنا الله على خدمتهم، وأول كل شيء أن نوحِّدَ بيتنا الداخلي ونزرعَ فيه الوئام والمحبة والسلام.