نورسات الاردن
نجد أنفسنا أمام حرب لا تُحسب انعكاساتها على العالم كله. التنديد الدولي للغزو الروسي لأوكرانيا لم يوقف القصف الروسي على المناطق الأوكرانية، والذي تسبب بسقوط عدد من الضحايا في صفوف المدنيين. ويأمل كثيرون اليوم بأن ترتفع الأصوات الداعية إلى السلام في مختلف أنحاء العالم، علها تؤدي إلى نتيجة
اليوم وأكثر من أي وقت مضى تمسك البشرية مصيرها بيدها: يمكنها أن تختار بين الحياة والموت، إذ نوجد أمام صراع مسلح يمكن أن يحمل نتائج كارثية على العالم كله، وثمة جهات كثيرة تعول على عزلة من شاء هذه الحرب، لأن البشرية لا تريد الموت.
في نيويورك نددت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبأغلبية ساحقة، بالغزو الروسي لأوكرانيا. وفي جنيف قرر ممثلو معظم الدول مغادرة قاعة المجلس الأممي لحقوق الإنسان، عندما بدأت مداخلة وزير الخارجية الروسي سيرغاي لافروف. ورأى كثيرون في مبادرة الاحتجاج الرمزية هذه تنديداً صارخاً بالحرب الروسية على أوكرانيا. كما تقرر استبعاد روسيا عن العديد من الأحداث الرياضية والفنية، ويتم العمل على عزلها عن المنظومة المالية الدولية، وعن شبكة النقل العالمية. مع ذلك لم يتوقف العدوان الروسي على أوكرانيا، وما تزال الهجمات تحصد وللأسف المزيد من الضحايا.
مع تنامي الخوف والألم لدى الأوكرانيين إزاء الهجمات التي يقع ضحيتها الأشخاص الأبرياء، تنمو أيضا الشجاعة والمقاومة، والعزيمة، وتتعزز وحدة الشعب الأوكراني فضلا عن تضامن الإنسانية كلها معه. أشخاص كثيرون يعلقون الآمال على حدوث تصدع داخل الجبهة الروسية. فالعديد من الكهنة الأرثوذكس الروس رفعوا صوتهم لينددوا بهذه الحرب، تماما كما فعل الكثير من العلماء والمفكرين والفنانين والرياضيين. وعلى الرغم من التضييقات المفروضة على حرية التعبير، نزل مواطنون إلى الشارع ليقولوا لا للحرب، معرضين أنفسهم للخطر. والأمل يكمن أيضا في استمرار هذه الأصوات الداعية إلى السلام داخل المجتمع الروسي.
النظام الروسي يعاني من العزلة إذا لكن الهجمات العنيفة لم تتوقف، فالقصف يستهدف السكان المدنيين، ولم يوفر المباني السكنية، والمدارس والمستشفيات والكنائس. وإزاء ما يحصل فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا في جرائم حرب تُرتكب اليوم في أوكرانيا. ولم تنجح عزلة روسيا في ثنيها عن إطلاق التهديدات، إذ يتم التلويح بحرب نووية، التي لا تترك ورائها لا غالبا ولا مغلوبا. مما لا شك فيه أن جنون الحرب هو شيطاني، كما يقول البابا فرنسيس، لأنها لا تريد سوى الدمار.
يذكرنا الكتاب المقدس، في سفر التثنية، بأن للإنسان حرية الاختيار بين الحياة والموت. باستطاعتنا إذا أن نكون مطيعين لطيبة الله ورأفته أو لأوثان الأنانية والغرور والعنف. إن ما يريده الله لخليقته هو السعادة الأبدية، لكن لا بد أن نرتد إلى المحبة والعدالة. إننا أحرار. يوجد أمامنا خيار بين الحياة والموت. هل ستختار الموت؟
إن زمن الصوم الذي بدأ للتو هو زمن الارتداد والتوبة. إنه زمن صلاة أكثر قوة وزخما. نتذكر أهالي مدينة نينوى، الذين أصغوا للنبي يونان، وتخلوا عن أعمالهم الشريرة، ووجدوا السلام عوضا عن الخراب. أملنا اليوم هو أن يقوم مع يزرع الدمار بنبذ الشر واختيار الحياة. وأملنا هو أن نتمكن جميعا من مقاومة الحقد والضغينة، لأن مصير البشرية كلها بات اليوم على المحك.