نورسات الاردن
إن الغزو الروسي يحمل الألم والدمار لأوكرانيا، إنه صراع مسلح قد تتسع رقعته ليشمل بلدانا أخرى في وقت تستمر فيه الحروب الدائرة في عدد من الدول حول العالم بينها سورية واليمن وأثيوبيا. ومن يدفع الثمن الأكبر هم بلا شك الأشخاص الأبرياء، لاسيما الأطفال.
وهؤلاء الأشخاص البسطاء لا يريدون إلا السلام
اليوم وأكثر من أي وقت مضى يحلم العالم بنبوءة أشيعاء الذي قال “فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكًا وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لَا تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، وَلَا يَتَعَلَّمُونَ ٱلْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ”. لفترة طويلة من الزمن اعتبر الأوروبيون أن السلام هو من المسلمات، وأن الحرب هي شأن الآخرين، شأن الشعوب البعيدة، وباستطاعتهم أن يغضوا النظر عنها، وألا يعنيهم صراخ الأشخاص الهاربين من الصراعات المسلحة، بحثا عن أمل جديد، ولم يستشعر الأوروبيون بمعاناة هؤلاء الأشخاص وآلامهم. إنها حروب ما يزال يعاني منها اليمن وسورية وأثيوبيا والعديد من البلدان الأخرى. السكان ما يزالون يهربون من تلك النزاعات، ولا يريدون سوى البقاء على قيد الحياة.
لكن الحياة أحيانا تتبدل بصورة مفاجئة. ففي الليلة السابقة لبداية الغزو الروسي كانت شوارع المدن الأوكرانية ومطاعمها تغص بالمواطنين. وكان السكان يرغبون بعدم التفكير في القوات الروسية المتحشدة على الحدود تمهيدا لعملية الغزو. ولم يكن يتصور أحد أن المأساة كانت ستقع بعد ساعات قليلة. ففي المساء كان سلام، وخلال ساعات الليل اندلعت الحرب. في المساء كان بعض الشبان الأوكرانيون يعانقون حبيباتهم، وفي اليوم التالي عانقوا البندقية. وثمة زوجان عقدا قرانهما بعد ساعات قليلة على اندلاع الحرب، ثم التحقا بالجيش ليدافعا عن وطنهما. العديد من الأطفال نُقلوا إلى خارج البلاد، وكثيرون آخرون ما يزالون عالقين تحت القنابل والقذائف. إنها مجزرة جديدة يذهب ضحيتها الأبرياء.
لقد اعتاد الأوروبيون كثيراً على السلام. وكانوا يتذمرون من أمور كثيرة، لكن عندما اندلعت الحرب اتضح لهم ما هو ضروري وجوهري في الحياة. السلام ضروري. هذا ما يذكرنا به المزمور المائة والرابع والأربعون “لَا ٱقْتِحَامَ وَلَا هُجُومَ، وَلَا شَكْوَى فِي شَوَارِعِنَا. طُوبَى لِلشَّعْبِ ٱلَّذِي لَهُ كَهَذَا”. اليوم يدور القتال على الأراضي الأوروبية، والسكان يشعرون بالخوف والقلق. قد تكون هذه الحرب بعيدة بالنسبة لكثيرين، لكن بالنسبة للأوكرانيين إن الحرب تدور على أرضهم، هذه الأرض التي يسعى أحد ما إلى انتزاعها منهم. وهناك أيضا هاجس الحرب النووية، وثمة خوف من أن يستهدف صاروخ ما إحدى المحطات النووية. وإزاء هذه المآسي هناك تضامن كبير مع السكان ضحايا الهجمات. وعلينا أن نتساءل ما يمكن فعله من أجل مد يد المساعدة للمواطنين الأوكرانيين.
إننا نريد السلام، لا نريد الحرب التي يشنها الأقوياء الساعين إلى تنمية نفوذهم على حساب دماء الآخرين، بما في ذلك أبناؤهم، الذين يُستغلون ويُخدعون ويُرسلون ليَقتلوا وليُقتلوا. كيف نستطيع أن نضع حدا لهذا الجنون؟ هناك من يلجأ إلى العقوبات، أو إلى التسلح، وهناك من يحاول من خلال الطرق الدبلوماسية. لكن ماذا يمكن أن يفعل الأشخاص البسطاء؟ يمكنهم أن يساعدوا الشعب الأوكراني ويتضامنوا معه، ويمكنهم أن يصلوا من أجل السلام.