رسالة الصوم 2022 لغبطة البطريرك اغناطيوس يوسف الثالث يونان

نورسات الاردن

“من هو قريبي؟!” (لو10: 29). هذا هو عنوان رسالة الصوم لهذا العام لغبطة البطريرك اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي والتي نشرها الموقع الإلكتروني للبطريركية

بدأ غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي رسالته لمناسبة الصوم لعام ٢٠٢٢ متحدثا عن زمن الصوم والذي فيه تتحرّر النفس كي تقبل عطيّة الخلاص المجّانية، فتنطلق في مسيرة الشركة الحبّية مع فاديها الإلهي، إذ تشاركه في “فصحه” بالعبور من العبودية إلى الحرّية، ومن الموت إلى الحياة. وتابع أن الصوم زمنٌ قرباني نقبل فيه محبّة يسوع، ونتعلّم كيف ننشرها حولنا في كلّ حركة وكلمة. هو أيضا زمن التجدّد والتحوّل الداخلي وتفعيل المحبّة التي يزرعها الله في قلب المؤمن. ويشمل هذا التجدّد والتحوّل علاقةً متلازمةً ومتكاملةً مع الله ومع القريب. وذكّر في هذا السياق بما كتب البابا فرنسيس في رسالته لزمن الصوم لهذا العام 2022 مشيرا إلى أن زمن الصوم يدعونا إلى التوبة وتغيير العقلية.

ثم توقف غبطة البطريرك يونان عند علاقتنا مع الله والقريب فقال: يدعونا الصوم كي نجدّد علاقتنا مع الله الآب السماوي، ينبوع المراحم، فنعود إليه بالتوبة الحقيقية، ونتحرّر من عبودية الجسد والأهواء البشرية. كما أنّنا نسعى لعيش حياة التلمذة للمعلّم الإلهي، من خلال الإصغاء إلى كلامه الحيّ عبر مواعظ الصوم والرياضات الروحية، والحوار معه لاكتشاف إرادته، والتجاوب مع تصميم حبّه الخلاصي باستسلام تامّ لمشيئة الآب، مُتشبّهين بيسوع في صومه وصلاته أربعين يوماً، بعد قبوله المعمودية في نهر الأردن على يد يوحنّا المعمدان، ومحاربته تجارب الشيطان والانتصار عليه.

أمّا العلاقة مع القريب، فهي تتجدّد وتتحوّل بتجسيد المحبّة الفاعلة على تنوّعها: مشاركة المتألّمين والضعفاء والمحتاجين آلامهم، ومساندتهم، وتشديد ضعفهم، وسدّ احتياجاتهم الروحية والمادّية. وكم يحتاج قريبنا اليوم إلى أعمال الرحمة هذه. يقول قداسة البابا فرنسيس: “إنّ صنع الخير متعِب… لكنّ درب القداسة ليست للكسالى!”. فالالتفات نحو القريب وتلبية احتياجاته يتطلّب جهداً كبيراً، ولكنّ الله قادرٌ على صنع المستحيل فينا ومن خلالنا نحن رسله في قلب هذا العالم. كما أنّنا نجد معنىً لحياتنا في مساعدة الآخر المتألّم، في فهم قلق الآخرين، وفي التخفيف من معاناتهم”. وأضاف غبطة البطريرك بالتالي أنّ الصوم لا يؤتي ثماره كاملةً إلا إذا جعلْنا الفقيرَ والمحتاجَ خيارَنا الأساسي في هذا الزمن

وفي حديثه عن العلاقة مع القريب توقف بطريرك الكنيسة السريانية الكاثوليكية عند مَثَل السامري الصالح، فذكَّر أولا بحديث البابا بندكتس السادس عشر في كتابه “يسوع الناصري” عن أن “الله يريد الرحمة أولا “أريد رحمةً لا ذبيحة” (مت 12: 7). أي قلباً مملوءً حبّاً ثابتاً. يريد الله الأعمال الناشئة عن توبة وتغيير حقيقي في القلب، وهذه تتّضح في تعامُلنا برحمةٍ وتحسُّسنا آلام الآخرين”. وذكَّر غبطة البطريرك أيضا بكلمات البابا فرنسيس: إنّ السامري يتصرّف برحمةٍ حقيقية: ضمّد جراح ذاك الرجل، وذهب به إلى فندق، واعتنى بأمره. المحبّة الرحومة والشفوقة ليست شعوراً مُبهماً، بل تعني الاعتناء بالآخر بلا ثمن ودون انتظار مكافأة. إنّها الالتزام من خلال القيام بجميع الخطوات الضرورية للاقتراب من الآخر، وصولاً إلى التشبّه به… لا وجود لعبادةٍ حقيقيةٍ ما لم تتجسّد في خدمة القريب”.

وعن كيفية عيش هذا القرب من الآخرين على مثال السامري الصالح قال غبطة البطريرك يونان: يعطينا السامري الصالح درساً بالقدوة والعمل والخدمة والتضحية بالوقت الثمين لإنقاذ الآخرين، وإدخال السعادة والفرح إلى قلوبهم، وصولاً إلى بذل الذات من أجلهم. وواصل مذكرا بما يقول البابا بندكتس السادس عشر في الرسالة العامة “الله محبة”: “حتّى ذلك الوقت، كان مفهوم “القريب” يدلُّ جوهرياً على

الأشخاص المنتمين إلى الشعب عينه، بالإضافة إلى الغرباء الذين استقرّوا في أرض إسرائيل. بكلمةٍ أخرى، كان يدلّ على جماعةٍ متماسكةٍ في بلدٍ أو في شعبٍ معيَّن. تُلغى الآن هذه الحدود: أيّ شخصٍ يحتاجني وبإمكاني مساعدته، هو قريبي. يتّخذ إذاً مفهومُ “القريب” بُعداً شمولياً، ومع ذلك يبقى واقعياً” (“الله محبّة”، فقرة 15).

وتابع غبطة البطريرك يونان: إنّ “القريب” إذاً ليس فكرةً نظريةً، إنّما هو واقع ملموس. من خلال هذا المَثَل يريد يسوع أن يعلّمنا أنّ الإنسان واحدٌ، أيّاً كان لونه أو جنسه أو عرقه أو معتقده أو دينه. ولا توجد سوى علاقة واحدة تجمعنا على الأرض وهي: “الله والإنسان”. لقد أعطى السامريُّ صاحبَ الفندق دينارَيْن كي لا يتقاعس عن خدمة الرجل الجريح، ويسوع أعطانا جسده ودمه، وأسّس الكنيسة (صورة الفندق) لترشدنا وتعتني بنا دوماً وتقودنا على طريق سيّدها. “فالكنيسة هي عائلةُ الله في العالم. في هذه العائلة لا يَجِبُ أنْ يعاني أحدٌ من نقصِ ما هو ضروي بسبب الحاجة” (“الله محبة”، فقرة 25 ب).

وفي ختام رسالته لزمن الصوم أشار غبطة البطريرك يوسف الثالث يونيان إلى ما في عالم اليوم من الشرور، إلى جانب الحروب والكوارث والأمراض والأوبئة، ولكنَّ أسوأها هو النقص في الحبّ، لأنّ الحبّ هو الحياة، ولأنّ الإنسانَ خُلِقَ لكي يُحبّ ويكون محبوباً. وأضاف أنه يقع على عاتقنا اليوم أن نساهم في بناء عالمٍ أفضل، ويتحقّق ذلك “فقط عندما نصنع الخير الآن وبشكلٍ شخصي، من كلّ القلب، وحين نجدُ فرصةً مناسِبةً، بعيداً عن الاستراتيجيات والبرامج الفردية والمصالح الفئوية والحزبية. إنَّ برنامج المسيحي هو برنامج السامري الصالح، إنّه برنامج يسوع، هو “قلبٌ ذو بصيرة”، هذا القلب يرى الحاجة إلى المحبّة، ويتصرَّف وفقاً لذلك” حسب ما كتب البابا بندكتس السادس عشر في رسالته العامة “الله محبّة”.

البطريرك اغناطيوس يوسف الثالثنورسات الاردن