نورسات الاردن / الخوري أنطوان الدويهيّ
تروي القصَّة أنَّ الإسكندر الأكبر عاد من إحدى معاركه منتصرًا، فاحتفل مع قادة جنوده بالنصر وشربوا الخمر حتَّى سكروا. وخرج الإسكندر يتنشَّق الهواء وإذا به يلمح قائدًا مقرَّبًا منه مات أبوه في تلك المعركة، يتوجَّه إلى حيث استُخرجت عظامٌ لجنود ماتوا في معركة سابقة. لحق الإسكندر بالقائد ورآه يبحث بين الجماجم. فسأله بعدما رآه يذرف الدموع مدرارًا:
- ماذا تفعل هنا ولمَ تبكي؟
- إنّي أبحث عن جمجمة أبيك يا مولاي. فإنّي أرى كلُّ الجماجم متشابهة.
- لكنَّ أبي مدفون في مقبرة ملوكيَّة.
- حتَّى ولو أوتي بجمجمته ووضعت بين هذه الجماجم لن تعرفها من غيرها، وإن كان معروفًا بالأعور. مات والدك ولمَّا يبلغ الخمسين من العمر. ومات والدي البارحة وله من العمر ستُّون سنة، وأصحاب هذه الجماجم تتراوح أعمارهم ما بين العشرين والسبعين. وبالنهاية كلُّهم أموات، بل يمكنني أن أقول يا مولاي، إنَّنا كلُّنا أموات.
- إلامَ تلمِّح يا قائد؟
- ألن تشبع من الحروب والمعارك، يا مولاي؟ منذ تربَّعت على العرش وأنت من حرب إلى أخرى. مهما علا شأنك، مصيرك كمصير بقيَّة الناس، هو الموت. فجميع البشر يتساوون أمام الموت…
- ان مات فيليبُّس المقدونيّ في 46 من عمره، فابنه الإسكندر الكبير لم يتخطَّ 32 سنة من العمر…
ناس يرحلون باكرًا، وآخرون يتأخَّرون في الرحيل، ولكن لا بدَّ لجميع الناس من الرحيل. وأمام الموت كلُّنا نتساوى. فلا الحسد يفيد، ولا الحقد. لا الغنى يطيل العمر ولا الفقر يقصِّر العمر. لا الجمال يشفع أمام الموت ولا البشاعة. كلُّ إنسان يمضي في وقته. ولا يبقى للإنسان من ذكرى، سوى صيته الحسن وأعماله المبرورة.
فلا نملَّ من عمل الخير. فالابتسامة دواء يريح اليائس ولا يكلِّف شيئًا؛ والكلمة الحلوة دواء يشفي الحزين دون تكلفة؛ والإصغاء للمجروح يطيِّب الجراح؛ والوقوف إلى جانب البائس يعيد الأمل بيوم أفضل.
أحيانًا كثيرة لا نحتاج إلى المادَّة لزرع بسمة على الشفاه، أو لسكب التعزية في القلب الموجوع. ما زال عصرنا مليئًا بالوجوه البشوشة، والقلوب الحارَّة، والعقول النيِّرة.
مابال عالم اليوم، لا يشبع من الحروب والتقاتل! ما باله لا يبحث إلاَّ عن المتاعب والمصاعب والمشاكل! كلَّ يوم نسمع بشجار في مكان ما، وحادث في مكان آخر، معركة في بلد ما، وحرب في بلد آخر.
عصرنا الحاليّ، لا يبحث إلاَّ عن القتل والثأر والانتقام، عن السيطرة والسلطة والقوَّة، عن النفوذ والمال والهيمنة. وفي النهاية، يبقى مصيرُ كلِّ إنسان مصيرَ كلِّ إنسان، أي الموت.
الي أصحاب العقول الراقية، تعالوا نتكاتف ونتعاضد، كلٌّ في موقعه ومن موقعه، نعملُ لأجل عالم أكثر إنسانيَّة زارعين بذار الحوار والتفاهم والألفة والمحبَّة، واضعين نُصب عيوننا عالمًا أفضل وأجمل وأكثر ازدهارًا…