نورسات الاردن
خاطب غبطة البطريرك بيير باتيستا بيتسابالا بطريرك القدس للاتين جمع المصلين والمحتفلين بقداس عشية الفصح في المدينة المقدسة بكلمات معبرة وتاليا ما جاء في عظة غبطته .
إن احتفالنا بعشية عيد الفصح أمام هذا القبر الفارغ يضعنا أمام أعظم سرّ في إيماننا. سرٌّ نعيشه في مختلف لحظات هذه العشية، في ليتورجيا النور، وليتورجيا الكلمة، وليتورجيا المعمودية، وليتورجيا الإفخارستيا. في هذا الاحتفال، تعلن الكنيسة بشرى القيامة السارّة، لا سيما في نص الإنجيل الذي سمعناه قبل قليل.
في هذه السنة، نتأمل في رواية القيامة التي يرويها لنا الإنجيلي لوقا. من مِيزَات لوقا أنه يذكر النساء اللواتي كنَّ يتبعن يسوع ويخدمنه. وقد بَقِينَ مخلصات للمعلِّم حتى النهاية. عندما يتكلم لوقا عن دفن يسوع، يقول: “كان النسوة اللواتي جئن من الجليل مع يسوع يتبعن يوسف، فأبصرن القبر وكيف وضع فيه جثمانه. ثم رجعن وأعددن طِيبًا وحنوطا، واسترحن راحة السبت على ما تقضي به الوصية” (لوقا ٢٣: ٥٥-٥٦).
لوقا واضح جدًا في شأن شجاعة تلك النساء. جعلهُنَّ أول الشهود المؤهَّلين لحدث القيامة. في الواقع، كنَّ حاضرات جسدِيًّا ليس فقط أثناء الآلام والصلب، لكن أيضًا في لحظة الدفن، واستطعن رؤيةَ أدقِّ تفاصيلِ الدفن، الذي تمَّ على عجل. وبعد ذلك عُدْنَ إلى بيوتهن ليس فقط ليبكِينَ سيدَهُنَّ المحبوب، لكن أيضًا لتحضير الأطياب لتحنيطه عندما ينتهي السبت. تلك كانت عناية واهتمامًا ومحبة لم يقدر الموت أن يوقفها.
وتلك النساء أنفسهُنَّ، في اليوم الأول من الأسبوع، يكتشفن دحرجة الحجر عن القبر. ويُلِحّ لوقا على ذكر الموقف الخاص بتلك النساء، اللوائي اعتراهن الاضطراب والارتباك عند رؤية القبر المفتوح، وزادهن خوفًا رؤية الرجلين اللذين أعلنا لهن حدث القيامة. وبالرغم من خوفهن، عدن، بشجاعة، لإخبار الأحد عشر والتلاميذ الآخرين بما اختبَرْنَه للتَوّ. لكن لم يصدقوهنَّ. بالنسبة لمن سمعوهم، “بدت لهم هذه الأقوال أشبه بالهذيان ولم يصدقوهًنَّ” (٢٤: ١١)، لدرجة أن بطرس ذهب شخصيًا للتحقق من الحقيقة بالسلطة التي له.
ذكر لوقا تلك النساء بالاسم: مريم المجدلية، ويوحنة، ومريم والدة يعقوب. ويؤكد أن نبأ القيامة السارّ، أُعلِنَ أولًا ولأول مرة لهن، وهنَّ نساء معروفات، لهن اسم ورسالة. ولولا شجاعتهُنّ، ولولا حبُّهُنَّ المجاني الذي جعلهن قادرات على الرؤية وعلى الإيمان بما هو مستحيل بشريًّا، لبقي التلاميذ منغلِقين وراء مخاوفهم. في الواقع، النساء وحدَهُنَّ غامَرْنَ، “في اليوم الأول من الأسبوع، في الصباح الباكر” (لوقا٢٤: ١) ، وهن اللواتي أطلقن دينامية إعلان القيامة، وأخرجْنَ الرسل من العلية، ومن هناك إلى جميع أنحاء العالم.
فكرة الكنيسة المجتمعة في العلية فكرة مغرية. العلية هي بالتأكيد رمز للشركة في الإيمان. هناك أسس الرب الإفخارستيا والخدمة الكهنوتية. هناك أعطانا الوصية أن نحب ونخدم بعضنا البعض. هناك ظهر للرسل وتوما ليقوِّيَ إيمانهم. وهناك انتظرت مريم والرسل والتلاميذ بروح الصلاة مجيء الروح في يوم العنصرة. لكن العلية هي أيضًا المكان الذي يجب أن تخرج منه الكنيسة لتبحث عن المسيح القائم من الموت. للمغامرة ولمحاولة فهم المعنى الخفي لعلامات حضور المسيح في العالم. كانت هذه العلامات بليغة لكنها غامضة. علامة الحجر المدحرج عن باب القبر، وعلامة القبر الفارغ، وكأن طارئًا طرأ عليه، وعلامة الرسالة الغامضة، والمفرحة، “لماذا تبحَثْنَ عن الحيِّ بين الأموات؟” (لوقا٢٤: ٥).
لربما نحاول نحن أيضًا أن نطلب يسوع “بين الأموات”. نحن نميل فعلًا إلى الصراخ والتوسل إلى المعلم لكي يضع حدًّا لثقافة الموت والدمار والكراهية والحروب، والصراعات العرقية واجتثاث حضارات بأكملها ومحنة ملايين المهجَّرين. أمام هذا الواقع، يبدو فرح عيد الفصح بعيدًا. ومع ذلك، فإن المسيح هو الإله الحي! إنه حقيقة يمكن أن نلمسها، وليس أساسًا أخلاقيًا عامًا لقيم سياسية مقبولة. منذ يوم الفصح، يسوع القائم من بين الأموات حاضر وعامل في العالم، وحيث يرحب به تلاميذ بالإيمان الحي والكنسي، يبدأ عالم جديد حقًا، حتى بين تناقضات الحاضر. نحن حقًا “مستكشفو الحياة والأمل”: نحن أناس نبحث، ونعرف أن نهرًا من المياه الحية يتدفق في باطن الأرض حقًّا، ويروي قلب العالم. يجب أن نتعلم مرة أخرى أن نبحث عنه، مثل النساء في الإنجيل، ومثل بطرس ويوحنا.
المسيح هو رجاء الذين يطلبونه بإيمان وشجاعة. إنه أمل أولئك الذين لا يبقون منغلقين في طمأنينتهم، بل يغامرون من أجل العثور عليه في هذا العالم المعذَّب. هذا هو الطريق الذي تدعى الكنيسة إلى السير فيه. هذا هو الطريق الذي نحن مدعوون إلى السير فيه معًا، كجماعة مؤمنة.
الكنيسة تنمو وتتغذى بالمشاركة الفعالة لكل واحد منا. عندما ذهب بطرس ليتأكد مما قالته النساء، حسب ما قاله الإنجيلي لوقا “عاد إلى بيته متعجبًا مما جرى” (لوقا ٢٤: ١٢). ركض بطرس إلى القبر بحالة من الارتباك وعدم الإيمان بما قالته النساء. مثل سائر الرجال من حوله، لم يهتم بشهادة النساء. لكنه عاد وقد تغير. كان عليه أن يعترف بأن السيد فاجأه، بل أذهله بالفعل، بهبة حضوره الصامت والحي. كان عليه أن يدرك أن يسوع لم يعد “بين الأموات”، أي بين أولئك الذين لم يعودوا ينتظرون مفاجآت الله.
فلنندهش نحن أيضًا من المفاجآت التي يخبئها الله لنا. هذا هو فرح الفصح لحقيقي. حتى في وسط الآلام والكراهية، وحتى في العديد من الأحداث التي لا يمكننا السيطرة عليها، حتى أمام علامات الموت التي تحيط بنا، فإن إله الرب يسوع المسيح إله حي. لن يدع الموت يسود. كما سننشد صباح الغد هذه اللازمة المفرحة: الموت والحياة تصارعا في مواجهة عجيبة”. وما هي النتيجة؟ “إن رب الحياة الذي مات حيٌّ مالكٌ إلى الأبد”
أرجو أن تكون كنيستنا، حيث أُعلن لأول مرة نبأ القيامة السارة، منارة رجاء لشعب الله على طول طريق الإنجيل. لنسِر معًا أولًا، مثل النساء في صباح أحد الفصح، ولنكُنْ أول من يركض لحمل بشرى الرجاء في القيامة، معًا، على الطريق نفسها، ولنعلن للعالم سبب رجائنا في قيامة المسيح. المسيح قام، حقًّا قام !