نورسات الاردن
ثيوفيلوسُ الثالثُ
برحمةِ اللهِ بطريركُ المدينةِ المقدسةِ آوروشليمَ
وسائرِ أعمالِ فلسطينَ
إلى أبناء الكنيسةِ أجمعين، نعمةٌ ورحمةٌ وسلامٌ لكم من القبرِ المقدّسِ المانحِ الحياةِ
قبرِ المسيحِ القائمِ منَ بين الأمواتِ.
تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي
“لاَ تَخَافَا أَنْتُمَا
فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ الْمَصْلُوبَ.
لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ!
هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعًا فِيهِ. (متى 28: 5-6)
من خلالِ هَذهِ الأقوالِ المعزِّيةِ شَجَّعَ النسوةَ حاملاتِ الطيبِ مَلاَكُ الرَّبِّ الذي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ بابِ القبرِ، في الموضعِ حيث دُفنَ المصلوبُ يسوعَ المسيحِ الناصريّ. إنَّ النسوةَ حاملاتِ الطّيبِ اللواتي بترثٍّ مزجْنَ الطيوبَ بالدموعِ، قد وَقَفْنَ مندهشاتٍ ومرتعداتٍ من منظرِ القبرِ الفارغِ، لهذا فقدْ شَجَّعَهُنَّ الملاكُ من خلالِ منظرهِ وقولِه: لا تخافا أنتما، فقد كَانَ مَنْظَرُهُ كَالْبَرْقِ، أَبْيَضَ كَالثَّلْجِ، وجلسَ فوقَ القبرِ هاتفاً لحاملاتِ الطيبِ إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ الْمَصْلُوبَ.لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لأَنَّهُ قَامَ. ولم يخجلْ من تسميَتِهِ المصلوب؛ لأنَّ هذا هوَ رأسُ البركاتِ كلَّها كما يقولُ القديسُ يوحنا الذهبيُّ الفم.
إنَّ الملاكَ اللامعَ قد أعلنَ ما لا يُسمعُ وغيرَ المستطاعِ عندَ البشر. أعلنَ أنَّهُ يمكنُ أنْ تحدثَ فقط مسرةُ، ومشيئةُ وقوةُ الله. أنَّ يسوعَ المسيحِ المتجسدِ ابنُ وكلمةُ اللهِ والمصلوبُ بالجسد، دُفنَ، وقامَ من بينِ الأمواتِ وأقامَ مَعَهُ كلَّ جبلةِ آدمَ، وذريّتِهِ بيدٍ قوية. ويشرحُ القديسُ يوحنا الذهبيُّ الفم قائلاً: إنَّ اللهَ الناهضَ منَ “العروشِ الملوكية” من محبَّتِهِ للإنسانِ “هجمَ على الأرضِ”، وحتّى على الجحيمِ نفسَها والشيطانُ أصبحَ خصماً ليسَ ضدَّ اللهِ غيرِ المحتجبِ بل ضدَّ الله ِالمُحتجبِ في طبيعتِهِ البشريةِ، ونرى الموتَ مُفنى بالموتِ واللعنةَ مُبطلةً باللعنةِ وسلطانَ الشيطانِ قد سُحقَ بالأشياءِ نفسَها التي كانَ يُسيطرُ علَيْها. حقاً بموتِ المخلّصِ قدْ أُبيدَ سلطانُ الموتِ؛ لأنَّ الفرحَ قدْ أتى بالصليبِ منتشراً في كلِّ العالم. فالجحيمُ قدْ ذاقَ المرارةَ؛ لأنهُ أُميت، معتقداً أنّهُ تناولَ جسداً مائتاً. لهذا فإنَّهُ بإيمانِ وقوةِ المسيحِ القائمِ من بينِ الأمواتِ، فإنَّ رسولَ الأممِ يهتفُ نبويّاً ويقولُ: «ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ «أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ (1كور 15: 54-55)
لقدِ اختبرَتِ النسوةُ حاملاتُ الطيبِ خبرةَ القيامةِ ليسَ فقط من رؤيةِ القبرِ الفارغِ والملاكِ وممّا سمعْنَ منهُ منْ أقوالٍ، بل أيضاً من رؤيةِ الربِّ القائمِ منْ بينِ الأمواتِ نفسَه وإِذ لاَقَاهُمَا وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكُمَا» لاَ تَخَافَا. اِذْهَبَا قُولاَ لإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الْجَلِيلِ، وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي (متى 28: 9-10). حقاً لقد تراءى الربُّ لهم لمدةِ أربعينَ يوماً مُظهِراً لهم نفسَه، كما يشهدُ بذلكَ بولسُ الرسولِ قائلاً: وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ. (1كور 15: 5-7) مخاطباً إياهُم ومؤكِّداً لهُم أنّهُ هو بجسدِهِ المصلوبِ والمقام، متناوِلًا طعامًا وأكلَ أمامَهم. وفي النهايةِ سَجَد لَهُ الأَحَدَ عَشَرَ تِلْمِيذًا في الْجَلِيلِ على الْجَبَلِ، حَيْثُ أَمَرَهُمْ يَسُوعُ: اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ (متى 28: 16-19)
إنَّ هذه الوصيةَ قد تمَّمَها الرسلُ، عندما أخذوا الروحَ القدسَ، وكرزوا إلى أقاصي الأرض، الّذي رأَوْهُ بأعينِهم ولمسوهُ بأيديهِم، واصطادوا المسكونَةَ وأصبحوا الأعمدةَ الاثني عشرَ لجسدِ الكنيسةِ وحجرِ الزاويةِ هوَ المسيحُ نفسَه. إنَّ الجسدَ الذي بناهُ الرّبُّ هو الكنيسةُ، والذي سبقَ وقالَ عنها، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. (متى 16: 18) وهيَ تستمرُّ على مرِّ العصورِ في عملِ المسيحِ الخلاصيِّ والتقديسيِّ من خلالِ الرّسلِ وخلفائِهِم منَ الأساقفةِ والكهنةِ. وفي مسيرتِها المصلوبةِ والمُقامةِ في العالمِ، فإنَّ الكنيسةَ المحياةَ من دمِ الصّليبِ الّذي خرجَتْ منهُ تنقلُ القوّةَ والأملَ والفرحَ؛ لخلقِ وبناءِ وإنعاشِ واستعادةِ الإنسانِ من أنقاضِ رمادِ الحروبِ، مكرِّرَةً دعوةَ المسيحِ المعزّيةِ: تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. (متى 11: 28)
إنَّ كنيسةَ آوروشليمَ، المثبتةِ، من الربِّ القائمِ من بينِ الأمواتِ، لكي تخدمَ في أماكنَ ظهورِهِ بالجسدِ، تتعرضُ في الآونةِ الأخيرةِ لضغوطاتٍ من عناصرَ متطرفةٍ عدائية، معَ ذلكَ لا تتحطّمُ، بل تُجاهدُ بشجاعةٍ، وفي اتحادٍ ووحدةٍ من أجلِ حقوقِ الوجودِ المسيحيِّ ورعيّتِها في الأراضي المقدّسةِ مرحبةً بالزوارِ الأتقياءِ كرعيةٍ خاصةٍ لها أثناءَ زيارتِهم وحجِّهم مرسلةً لهم ولرعيتِنا الأتقياءِ في كلِّ الأرضِ التحيةَ الفصحيةَ، “المسيحُ قامَ من بينِ الأموات وداسَ الموتَ بالموتِ ووهبَ الحياةَ للذينَ في القبور”.
في مدينةِ أوروشليمَ المقدسة، فصح 2022
الداعي لكم بحرارةٍ من أعماقِ القلب
ثيوفيلوس الثالث بطريرك المدينة المقدسة أوروشليم