نورسات الأردن
“إنَّ المجتمع يولد ويتطوّر مع العائلة” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته إلى المشاركين في الجمعيّة العامة للأكاديمية الحبريّة للعلوم الاجتماعيّة
استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الجمعة في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في الجمعيّة العامة للأكاديمية الحبريّة للعلوم الاجتماعيّة وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال لقد ركزتم انتباهكم على واقع العائلة. أقدر هذا الاختيار وكذلك المنظور الذي تأخذوها به بعين الاعتبار، أي كـ “خير علائقي”. دائمًا ما تحتل العائلة المرتبة الأولى على مقياس قيم الشعوب المختلفة، لأنها محفورة في طبيعة المرأة والرجل. وبهذا المعنى، فإن الزواج والعائلة ليسا مؤسستين بشريّتين بحتًا، على الرغم من التغييرات العديدة التي عرفاها عبر القرون والاختلافات الثقافية والروحية بين مختلف الشعوب. وبالتالي وأبعد من جميع الاختلافات، تَظهَر السمات المشتركة والدائمة، التي تُظهِر عظمةَ وقيمة الزواج والعائلة. ومع ذلك، إذا عشنا هذه القيمة بطريقة فردية وخصوصية، كما هو الحال جزئيًا في الغرب، يمكن للعائلة أن تُعزل وتتشتَّت في سياق المجتمع. وهكذا تضيع الوظائف الاجتماعية التي تمارسها العائلة بين الأفراد وفي المجتمع، ولاسيما تجاه الأشخاص الأشدَّ ضعفًا، مثل الأطفال والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين الذين لا يتمتعون بالاكتفاء الذاتي.
تابع البابا فرنسيس يقول لذا يتعلّق الأمر إذًا في أن نفهم أن العائلة هي خير للمجتمع، لا كتجمُّع أفراد بسيط، وإنما كعلاقةٍ مؤَسَّسةٍ في “رباط كمال متبادل”، كما يقول القديس بولس. إنَّ خير العائلة ليس من النوع التجميعي، أي أنه لا يقوم على تجميع موارد الأفراد لزيادة فائدة كل فرد، وإنما هو رابط علائقي للكمال، يقوم على تقاسم علاقات الحب الأمين والثقة والتعاون والمبادلة، والتي تأتي منها خيور أفراد العائلة، وبالتالي سعادتهم. وهذا الرابط المثالي، الذي يمكننا أن نسميه “خارطة جينية اجتماعيّة”، يقوم على عمل محبة يحرّكه العطاء، والعيش وفقًا لقاعدة المبادلة السخيّة والانجاب؛ وبالتالي تقوم العائلة بأنسَنة الأشخاص من خلال علاقة الـ “نحن” وتعزز في الوقت عينه الاختلافات المشروعة لكل فرد. وفي هذا السياق يساعد الفكر الاجتماعي للكنيسة على فهم هذه المحبة العلائقية الخاصة بالعائلة، كما حاولتُ أن أفعل في الإرشاد الرسولي “فرح الحب”، إذ يندرج في سياق التقليد العظيم.
تابع الأب الأقدس يقول أحد الجوانب التي أريد أن أسلِّط الضوء عليها هو أن الأسرة هي مكان الاستقبال. وتظهر صفاتها بشكل خاص في العائلات التي يوجد فيها أفراد
ضعفاء أو ذوي احتياجات خاصة. لأنَّ هذه العائلات تنمّي فضائل خاصة تعزِّز القدرة على الحب والتحمُّل الصبور إزاء صعوبات الحياة. إنَّ العائلة – كما نعلم – هي الترياق الرئيسي ضدَّ الفقر، المادي والروحي، وكذلك ضدَّ مشكلة الشتاء الديموغرافي أو الأمومة والأبوة غير المسؤولة. وبالتالي تصبح العائلة رباط كمال وخيرًا علائقيًّا بقدر ما تجعل طبيعتها الخاصة تزهر، أكان بمفردها أو بمساعدة الأشخاص والمؤسسات الأخرى، بما في ذلك المؤسسات الحكومية. لذلك من الضروري أن يُصار في جميع البلدان إلى تعزيز السياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية “الصديقة للعائلة”.
أضاف الحبر الأعظم يقول إنَّ مجتمعًا “صديقًا للعائلة” هو أمر ممكن، لأنَّ المجتمع يولد ويتطوّر مع العائلة. في الواقع، عندما تَقتلعُ حضارةٌ ما من أرضها شجرة العطاء المجاني، يصبح من المتعذِّر إيقاف تدهورها. والعائلة هي الغارسة الأوّلى لشجرة المجانيّة، لأن نوعيّة العلاقات التي تُعاش في العائلة لا ترتكز على محور الملاءمة أو المصلحة، بل على محور الحضور، الذي يتم الحفاظ عليه حتى عندما تنهار العلاقات. لذلك أعتقد أن هناك بعض الشروط لكي نكتشف
مجدّدًا جمال الأسرة. الأول هو أن نزيل من أذهاننا “إظلام” الأيديولوجيات التي تمنعنا من رؤية الواقع. الشرط الثاني هو إعادة اكتشاف التطابق بين الزواج الطبيعي والزواج الأسراري. والشرط الثالث، كما يذكّر الإرشاد الرسولي “فرح الحب”، هو الإدراك بأن نعمة سر الزواج تشفي وترفع المجتمع البشري بأسره وهي خميرة الأخوَّة.
وخلص البابا فرنسيس إلى القول أيها الأصدقاء الأعزاء، بينما أترك لكم هذه التأملات، أؤكد لكم مرة أخرى امتناني وتقديري لنشاطات هذه الأكاديمية الحبريّة وصلواتي لكم ولعائلاتكم. أبارككم جميعا من كلِّ قلبي. وأنتم أيضًا، من فضلكم، لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي.