“شيرين .. يا حبَّةَ الحِنطة”
قال السيد المسيح: ” إِنْ لم تَقَعْ حبَّةُ الحِنطةِ في الأَرضِ وتَمُتْ، بَقِيَتْ وحدَها، وإِذا ماتَتْ أَخرَجتْ حَبَّاً كثيراً”
سقطَت حبةَ الحنطةِ في الأرضِ تُقبِّلُها أوجاعُ قلب جنينْ ..
فلسطينيةٌ عربيةٌ في ميدانِ الكلمةِ تحملُ الصوتَ اليقين ..
قتلوا الحبَّةَ لكنها نبتَتْ شامخةً تحتَ سماءِ فلسطينْ
مادتْ مضرَّجةً بدمِ الوطنِ الطهورِ المشتعِلِ السَّخين ..
ينسابُ شلالاً أحمرَ يرسمُ أيقونةَ الحقِّ الحرِّ الرنين ..
بين أغراسِ العنبِ والزيتونِ وأحراشِ الياسمينِ والتينْ ..
مغموسًا بنداءِ شبابِ الحِمَى صارخينَ أنقِذوا “شيرين” ..
قنَّاصُ غدرٍ فجَّرَ نهرَ الغضبِ ينفثُ سُمًّا وحقدًا مُشينْ ..
مفتِّتًا رأسَها .. مُسيلاً محيطاتِ شرارٍ وسُخطٍ بفجْرٍ مُبينْ ..
همى رصاصُ الاحتلالِ يغتالُ حُنجرةَ الضميرِ الفَطينْ ..
أتى صَلِيًّا مُميتًا يملأُ الوريدَ شظايا مستقرًّا بالعنْقِ مَكِينْ ..
لكنَّ روحَها لن تمُتْ وزنابقُ نبضها ترفضُ الذلَّ المُهينْ ..
ستبقى مدرسةَ الشموخِ لن يطأْها الموتُ بعدَ طولِ سنينْ ..
شيرينُ توارتْ وأخذتْ معها ضعفَنا ويأْسَنا وأملاً مُستكينْ ..
نزعتْ منًّا أفكارَنا البليدةَ كالسُّوسِ تنخرُنا وشظفَ الأنينْ ..
تركتْ لنا عهدةَ النصرِ والبندقيةِ والوحدةِ وسحرِ الحنينْ ..
أمانةً بعنقِ الوطنِ الذي رفعَ نعشَها يمدُّ الحياةَ لحبلِ الجَنينْ ..
من حيفا وعكا والجليلِ وغزة .. إلى نابلسَ ورام الله وعبِّين ..
شيَّعها هديرُ الجموعِ الأوفياءِ جلمودَ صخرٍ وجسرٍ شامخينْ ..
ركعوا في رحابِ الأقصى والقيامةِ وبابِ الخليلِ ونِعْلِينْ ..
يتَّحَدُّونَ الموتَ بوجهِ البطشِ وخَيْلِ الخوفِ ثابتينَ مردِّدينْ ..
خلفَ الكَهَنةِ والأئمَّةِ صلُّوا أبانا ورفعوا لها صلاةَ الغائبينْ ..
من تحتِ ألمِ السَّوْطِ والخوذاتِ رنَّموا هاتفينَ آمينَ آمينْ ..
فاشهدي يا مخيماتِ الكرامةِ أن الكرامةَ تأبى تستكينْ ..
وتأبى خذلانَ جرحِكِ يا عروسًا تكلَّلتْ بحبِّ وكِبْرِ الثائرين ..
قُرِعَتْ أجراسُ الكنائسِ وكبَّرتْ مساجدُها بدمعٍ سخيٍّ ثخين ..
هلَّلَ أبناؤُها شيبًا وانحنى شبابُها يوقِّرونَ مَشاهِدَ التأبينْ ..
هذا الجسدُ المسجَّى باتَ رمزًا وثورةَ شعبٍ وفيٍّ أمينْ ..
كسرَ سطوةَ المحتلِّ ورفَعَ العلمَ عنوةً فوقَ هاماتِ الجبينْ ..
فيا ترابَ القدسِ زغرِدْ لِضمِّ الشهيدِ وتحريرِ النعشِ الرّهينْ ..
ها قد أتاكَ محمولاُ على أكُفِّ الشبابِ الصامدينَ الواعِدينْ ..
أي كفنٍ هذا الذي كالسيفِ اشرأبَّ مُستنبطًا شجَنَ الضنينْ ..
أيُّ ملحمةٍ وطنيةٍ سطَّرَها جبابرةُ الفِدى عنقودَ حبٍّ دفينْ ..
ما انكفأتْ رماحُهُم ولا اهتزَّتْ عزيمتُهم يأسًا ولو بضع حينْ ..
نحنُ شعبُ الإباءِ يجمعُنا المصيرُ والدَّمُ والثرى مسيحيينَ ومسلمينْ ..
يا لجنازةٍ تزنَّرتْ بالأطيافِ والأجيالِ والأعلامِ والانتماءِ والأجناسِ والدِّينْ ..
كيف لا ؟ ونواةُ المجدِ انبثقَتْ من هنا موئِلَ الأنبياءِ ومهدَ المُرسلينْ ..
وَلَدَتْ نجمةً منذ الأزلِ كان اسمُها وسيبقى أبَدًا: فلسطينُ فلسطينْ ..