في غمرة الاحتفال بالزمن الفصحي تتردد في أسماعنا والكونِ أصداءُ تلك البشرى: ” ليس هو ههنا. قد قام كما قال”. فصرنا جميعاً أبناءَ القيامة، وصار كلُّ من اعتمد بالمسيح قد “اعتمد بموته وبقيامته أيضاً”. فلم يعد يخيفنا الموت لأن المسيح بموته قد داس الموت وكسر شوكته، وانتصر بقيامته. هذه عقيدة المسيحيين.
اليوم وفي موسم القيامة، نتوقّف عند حدثٍ مقدسيّ رأيناه وتابعناه وعشناه. ولم نجد أقدسَ من الأحد، يوم القيامة، وأول الأسبوع، لنحتفي بشهيدة “الكلمة” “والطريق والحق والحياة”… شيرين أبو عاقلة الفتاة الفلسطينية ابنة القدس.
نتوقف عند معموديّتين.
الأولى في 15 تشرين أول 1972 حين تعمدّت الطفلة شيرين ، في يوم تشريني، على يد المرحوم الأب يوحنا حداد في كنيستنا البطريركية في القدس، وحملت اسم (هيلين) تَيَّمناً بالقديسة الملكة المؤمنة هيلانة، التي أحبت القدس، وعمّرت وشيّدت في ارجاء فلسطين.
والمعمودية الثانية كانت يوم رَوَت شيرين بدمِها ترابَ فلسطين، عند أطراف جنين.
وفي معموديتها الثانية، وقبل ان تتوسَّد تراب القدس الطهور، جاءت شيرين المعمّدة بدم الشهادة، إلى الكنيسة ذاتها التي تعمدّت فيها قبل خمسين سنة. وما بين المعموديّتين سيرةٌ ومسيرةٌ، كانت فيها شيرينُ فلسطينيةً حتّى الدّم. وكانت مسيحيةَ حتّى الدّم. وحملت رسالة الكلمةِ والحقيقة، وتنقلّت في أرجاء وطنٍ عَشِقَته حتّى الدم. فهبَّ وطنها ومحبّوه، ليودّعوا من وهبت حياتها ضريبة عشق مقدّس. ففي شيرين الشهيدة تجسّدت في آنٍ شجاعةُ القدّيسين ويقينُ المؤمنين، والحبُّ لفلسطين..
اليوم جئنا نترحّم على روحٍ باسلةٍ، وعلى صاحبةِ هامةٍ ظلَّت مرفوعةً رغم تلك الرصاصة الغادرة الجبانة.
(شيرينُنا) هي التي أَرهَبت الطُّغيان. بل لقد ظلّت شيرينُ وعلَمُ وطنِها يرعّبان المحتلّ، ورأينا كيف أرهبَ نعشُها العصابةَ الحاقدة. وفي يوم تشييعها رأينا، ومعنا العالم كلّه، أكبر تدنيسٍ لكرامةِ الموت. وتكشفت حقيقة أولئك الكارهين الذين ما كرّموا الحياةَ ولا احترموا الموت..
اليوم في أم الكنائس في عمان الصادقة الوفيّة للقدس ومقدساتها ولفلسطين وحقّها، نصلي لأجل راحة نفس شهيدتنا التي في فصلٍ من حياتها، كانت قد شربت من مياه اليرموك، عندما جاءت الى أطراف شمالِنا الجميل، وقرأت التاريخ والحاضر الأردني، وأخذت دروساً في جامعتها، لتنقلَ عِلْمَها ممزوجاً مع حبّ وطنها. وتمرست في نقلها للخبر بسعيٍ رصينٍ لخدمة الحقيقة. ورفضت شيرين إعلامية قناة الجزيرة، أن تكون أسيرة الاحتلال. وحلّقت في فضاء المعلومة فكانت بحق رسولةً للحقّ والحقيقة
من عمان الأقرب الى القدس وحقوقها وسيرتها التي لم يصدر عنها الا الوفاء والصدق والأخلاق، جئنا من وطن الوصي الوفيّ الأمين الشريف عبدالله الثاني، مسيحيين ومسلمين نعزّي القدس، وأهل الشهيدة، ولنقدّم بعضاً من حبّ واجبٍ نحو الشجاعة الكرامة والحقّ، ولسان حالنا يقول لِشيرين “الإيقونة” المقدسية التي آمنت بالقيامة: ذِكرُكِ مؤبّدٌ
من كلمة الأب نبيل حدّاد في الصلاة التذكارية التي أقيمت في كنيسة الروم الكاثوليك (أم الكنائس) – اللويبدة يوم الأحد 15/5/2022