قدّيسٌ جديدٌ في الكنيسةِ الارثوذكسيّة


أعلنَ المجمعُ المقدّسُ للبطريركيّةِ المسكونيّةِ في القسطنطينيّة في اجتماعهِ يوم الثلاثاء قداسةَ الشّيخ ڤيساريون الذي من مدينةِ لاميا وإدخالِهِ في سنكسارِ القدّيسينَ للكنيسةِ الأرثوذكسيَّةِ الرّوميّة

نبذةٌ عن حياةِ القدّيسِ الجديدِ ڤيساريون

القدّيس ڤيساريون كوركولياكوس الذي من لاميا، ولدَ عام ١٩٠٨ وتسمّى أندراوس، في منطقةِ بيتاليذي في ميسينياس حيث انهى دراسته الابتدائيّة. في الثامنةِ عشرة من عمرِهِ ذهبَ الى مدينة كالاماتا حيثُ تعرّفَ وبقي بجانبِ أحدِ الآباءِ الرّوحيّينَ وقرّرَ دخول سلكِ الكهنوتِ فاصبحَ راهبًا باسمِ ڤيساريون ومن بعدِها سيمَ شمّاسًا فكاهنًا وأرشيمندريتًا.

كانت دراساتُهُ العُليا في الإدارةِ المدرسيّةِ . ومعَ ذلكَ ، فدراسةُ الكُتُبِ المقدّسةِ المتواترة ، ونصوصُ كنيسَتِنا ، وكتبُ المقارَنَة ، جعلت منهُ رجلاً مثقّفًا لاهوتيًّا على نطاقٍ واسعٍ وعميق.

بعد ان امتلأ من الإمداداتِ الرّوحيّةِ، في عام 1935 ، لبّى دعوةِ ميتروبوليت كارذيتسا حزقيال المسّينيّ والتحقَ به مُكرِّسًا نفسَه لخدمةِ الرّبّ. هنا قضى حياته في الأعمالَ الخيريَّةَ في مستشفى “الخلاص”. وقبلَ وقتٍ قصيرٍ من وفاتِهِ ،كانَ ما يزال يسألُ ويتابعُ باهتمامٍ الأطفالَ والفقراءَ ومُستلزماتِهم. ومن ضمنِ عمَلِهِ في الكنيسةِ والمجتمعِ كانَ يكتبُ الخِطاباتِ الصّعبةِ والحسّاسَةِ ولعبَ دورًا مهمًّا إبّانَ الاحتلالِ الألماني ، حيثُ قيلَ إنّه ساعَدَ العديدَ من الوطنيّينَ وأنقذَ بتدخلاتِهِ الشّخصيّةِ الأطفالَ الذين أسرَهُم الألمان.
بعدَ التّحريرِ والحربِ الأهليَّةِ ، غادرَ الأبُ ڤيساريون كارديتسا. التحق بعد العام 1955، كأرشمندريتٍ متمرِّسٍ بالحياةِ النُّسكيَّةِ والعملِ الرّوحيّ والاجتماعيّ الغنيّ بدير أغاثونوس، متأثِّرًا أيضًا بالأبِ البيلوبونيزي جيرمانوس ديماكوس. وهنا تعهَّدَ بخدمةِ القسمِ الرّوحيّ للدّير. خَدَمَ داخليًّا في الدير ، وخارجيًّا في العالم. كانَ يذهبُ يومَي الإثنينِ والثّلاثاءِ إلى مستشفياتِ لاميا ، ويعودَ المرضى ويواسيهِم ويُعَرِّفُهُم. بشخصيَّتِهِ الجذّابةِ وحبِّهِ للإنسانِ وطريقتِهِ اللطيفةِ والبسيطةِ تمكَّنَ من تهدِئَةِ النّفوسِ المتألِّمَة

في أيّامِ الأسبوع الأخرى كان يجلسُ في الدّيرِ أمامَ الكنيسة ، ويستقبلُ النّاس بابتسامتِهِ الهادِئَة ويستمِعُ إلى مشاكِلِهِم. فالذين جاؤوه محمَّلينَ بالألمِ والمعاناةِ والقلَقِ تركوه مرتاحين . كما ساعدَ الكثيرَ منهُم ماليًّا.
المالُ والمساعداتُ التي كانَ يتلقّاها من العديد الذين وثِقوا به ، كان الشّيخُ يوزِّعُها على الفقراءِ والمحتاجين. وظل يردِّد ، “الناس فقراءَ من الخارج ، وجوعَى من الداخِل ، وعلينا مساعدَتَهُم”.
في كلِّ فترةِ صومٍ ، كان يغادرُ الدّيرَ ببركةِ الشّيخِ جرمانوس ويتنقلُ من طرفِ مقاطعةِ فثيوتيدا إلى طرفِها الآخَر.

كان يزور الكثير من المنازل ويساعد. ومرّاتٍ عديدةٍ كان ينامُ هناكَ أيضًا. في البداية جالَ يعرِّف، فكان جميعُ القرويّين ينتظرونهُ بفارغِ الصّبر . وكان يُعرِّفُ أيضًا الأطفالَ في المدرسةِ الثّانويّةِ الكنسيّةِ في لاميا وكانَ أبوهم الرّوحيّ. وكان يضعُ دائمًا “شيئًا” في أيدي هؤلاء الأطفالِ لتشجيعهِم

حيثما تولّى الأب ڤيساريون الخدمةَ أو أدّى القدّاس الإلهيَّ بكلِّ احترامٍ ووقار، أشرقَ. على الرغمِ من أنّهُ لم يكن يستطعُ الكلامَ بشكلٍ جيد لأنّ صوته كان يتراجعُ بسببِ حادثةٍ مع الألمان، إلا أنّه لم يستقِل من المذبحِ المقدّس. قالَ: “ما عندي يا ربُّ أعطيك” (أمثال 3: 6). بالنّصيحةِ التي قدَّمَتها النِّعمةُ الإلهيَّةُ في صلاتِه ، والتّعليم المُلهَم ، والاعترافُ السّرّيّ ، خَدَمَ الله في عملِه. كان أبًا عظيمًا للاعتراف. رآهُ النّاسُ متفتِّحَ الذِّهنِ ، بسيطًا ، متواضِعًا ، بصوتٍ ضعيفٍ وكانَ جذّابًا.

حملَ الأبُ ڤيساريون الديرَ أيضًا. كان يخرجُ دائمًا مع أيقونةِ مريم العذراءِ في القُرى حيثُ كان المؤمنونَ بفرحٍ ينتظرونَه في الشّوارع. أدّوا الخِدَمَ الإلهيَّةَ، ومارسوا سِرَّ الاعتراف ، وكلّمَهُم بكلماتٍ روحيَّةٍ بنّاءَة ، فبادلوه بركاتِهِ بمنتجاتهم. قسّمَ الأبُ ڤيساريون ما جمعَهُ في كيسين. أحضرَ كيسًا للديرِ لتلبيةِ احتياجاتِهِ ، وكانت المدرسةُ الزّراعيّةُ تعمل في ذلك الوقتِ وكان الدّيرُ المقدّس يستضيفُ 82 طفلاً محتاجًا.

أما محتوى الكيسِ الآخَر فكان يوَزِّعُه مباشرةً على الفقراء. كان يعرفُ احتياجاتِ كلِّ عائلةٍ ويوزِّع وفقًا لذلك.
أمضى الشيخ ڤيساريون حياتَه في تقديمِ المشورةِ وخدمةِ المؤمنينَ بشتّى الطرق. كان الرّاعي الصّالحِ الذي ضحّى بحياتِه من أجلِ الخِراف. اعتبر كلَّ ما في العالمِ قمامةً ، كما يقولُ الرّسولُ بولس ، “لعلَّ المسيحَ يفوز”. ورَبِحَهُ المسيح. الأبُ ڤيساريون اليومَ قريبٌ من الرَّبِّ الذي ادّخَرَ كثيرًا ليمنَحَهُ تكريمًا خاصًّا. لم يقدِّسهُ ببساطةٍ ، بل حفِظَ جسدَه عادم الفساد ، حتّى نتمكَّنَ جميعًا من رؤيتِهِ بأنفُسِنا ونؤمِن ، ونصبحُ أقوى ، ونتماسَكُ .

كان الأبُ ڤيساريون بصحَّةٍ جيّدةٍ بشكلِ عامّ. لم تكن لديهِ مشاكلُ كبيرة. قربَ نهايةِ حياتِه أتاه التّعبُ والشّيخوخَة. وبسببِ خطورةِ حالتِه نُقِلَ إلى مستشفى “سوتيريا” في أثينا حيث رقد في 22 كانون الثّاني 1991.
كان الوصولُ إلى الدّيرِ في تلكَ الأيّامِ صعبًا بسببِ تساقطِ الثّلوجِ بكثافة. بصعوبةٍ وصلَ التّابوتُ الى الدّيرِ ووُضِعَ في الكنيسة ليومين ، فتبارَكَ العديدُ من الشّيخِ للمرَّةِ الأخيرة .

لمَعَ وجهُهُ داخلَ التّابوتِ ورائحةٌ عَطِرَهٌ كانت تخرجُ من جَسَدِهِ. لم يتمكّنوا من دفنِه في المقبرةِ بسببِ الظّروفِ الجوّيّة ، فدفنوه في المكانِ المُخصَّصِ للمعموديّة ، إذ كانت هناك غرَفق مخصَّصَةٌ للاعتراف. الكثيرون استمرّوا بزيارةِ قبرِهِ لسنواتِ مظهرينَ تقواهُم. في الواقِعِ قدَّمَ له الكثيرون التّقدِمات ، كما لو كانوا يقدّمونَها لقدّيس ، دونَ انتظارِ أيَّةِ اشارةِ لإثباتِ قداستِه. وهناك تقاريرُ عن عجائِبَ رائعَة حدثَت عندَ قبرِ الشّيخ.

عانى الكثيرون من الاضطراباتِ في منازلِهِم ، ولكن عندما كانوا يرونه في نومِهم كان السّلامُ يعودُ للأسرة ، وما شابَه. تقرَّرَ عدمُ فتحِ القبر ، ولكن خلالَ عمليَّةِ تجديدِ منطقةِ المعموديّة ، أدّى هبوطٌ في الجانِب الشّرقيّ للدّيرِ إلى هدمِه وإعادة بنائِه بدعاماتٍ جديدة. لذلك كانَ لا بُدَّ من إخراجِ الرفاة. بعدَ صلاةِ الجنّاز بدأت إزالة الطّوب. ظهر التّابوتُ في حالةٍ ممتازةٍ

وبعدَ نقلِهِ إلى المقبرة ، فتحَ الرّهبانُ التّابوتَ لإزالةِ العِظام. لكنَّهم فوجِئوا بأنّ جَسَدَهُ تحتَ الكفنِ غير متحلِّل.
كان هذا حدثًا رائعًا وحكمةً إلهيَّةً. بالرّغمِ من أنَّ جميعَ الرّهبانِ آمنوا بقداستِه ، كان على الكنيسةِ المقدّسةِ أن تتولّى القضيّة. ذُهِلَ صاحبُ السّيادةِ مطرانُ فثيوتيدا كيريوس نقولاوس عندما علم بالأمر، فقامَ بزيارةِ الدّير والذّخائِر المقدَّسة.

نُقِلَ جسدُ الشّيخ غير المتحلّل إلى كنيسةِ الثّالوثِ القدّوسِ للحمايةِ ومنذُ ذلكَ الحينِ أصبحَ محجَّةً لألافِ المؤمنين يتوافدونَ لزيارةِ الدّير.
وبعد خمسة عشر عامًا ظلَّ جسدُ القدّيس متماسِكًا غيرَ مُنحٍّل ، يحملُ الإنجيلَ ومن غيرِ المُمكنِ انتزاعُه منه.

‎ وكأنَّه يريدُ أن يخبِرَنا أنّنا هربنا من الإنجيلِ، ويَحُثُّنا ، لا سيَّما الكهنة: “ارجعوا إلى جذورِ إيمانِنا ، إلى الكتابِ المقدّس والتّقليدِ الشريف. توقَّفوا عن التّعامُلِ مع العِلمانيّةِ والقضايا الاجتماعيّة ، فالآخرونَ مسؤولونَ عن هذه القضايا. من واجِبِكَ أن تقودَ النُّفوسَ للمحافظةِ على الإيمانِ لترفَعَ الإنسانَ من الأرضِ إلى السّماء

الترجمة من اليونانية إلى العربية : إيليا مدانات للمركز الاعلامي الارثوذكسي في عمان